ان جريمة القتل لا تقع الا على انسان والذى هو كما عرفناه آنفا ذلك الذي تخلق من بويضة امراة تخصبت بالحيوان المنوى لرجل سواء اعيدت هذه البويضة إلي رحم امراة أو استمر في تخصيبها وتنميتها صناعيا خارج ذلك الرحم ، ثم اخذت هذه البويضة اطوارها المعروفة علميا حتى اصبحت وليدا ولو لم يخرج من رحم امراة (1) 0
إذن 0 فالمجنى عليه في جريمة القتل يتعين أن يكون انسانا حيا ، وحياة ذلك الأخير لها بداية ونهاية ، فإذا وقع اعتداء عليها قبل بدايتها أو بعد نهايتها انتفت جريمة القتل وان كان من الممكن أن يسال عن جرائم أخري 0
اما إذا وقعت جريمة القتل أثناء حياة الانسان المجني عليه ، كان الفاعل مسؤولا جنائيا عن فعله هذا حتى ولو لم يتم العثور على جثة القتيل ، ذلك أن هذه الحالة لا تعتبر ركنا مكونا للجريمة أو عنصرا فيها بدونها تنتفى الجريمة ولا يكون لها وجود ، بل هي مسالة خاصة بموضوع الإثبات في ارتكاب جريمة القتل ومدى صحة اسناد الاتهام ، فمتى حامت الشبهات حول وقوع جريمة قتل وجب على السلطات المختصة التنقيب والتحقيق وتقديم المشتبه فيهم والمتهمين إلي المحاكمة ، فإذا ثبت للمحكمة أن اسناد الاتهام صحيح وان المتهم ارتكب فعلا جريمة القتل التي حامت حولها الشبهات قضت بادانته ، بغض النظر عما إذا كان قد تم العثور على جثة القتيل ام لا ، فالعبرة هنا أن يثبت للمحكمة صحة اسناد الاتهام ، فإذا كان الحكم قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتا كافيا ، فلا يقدح في هذا الثبوت عدم العثور على جثة المجني عليــه (2) 0
بداية حياة الانسان : ــ
الانسان كسائر المخلوقات والاشياء ، فله بداية وله نهاية ، ولما كانت بداية حياته في غاية الاهمية إذ هي المعيار في مدى الاعتداء الواقع عليه يشكل معه جريمة قتل أو جريمة أخري غيرها 0
يذهب البعض من الفقه إلي أن حياة الانسان تبدا بتمام الولادة وانفصال المولود عن امه حيا ولو لم يتنفس أو يقطع الحبل السرى ، وعلى هذا فان حياة الانسان لا تبدا حتى لو انفصل الجنين عن الحامل باستثناء جزء صغير جدا هو الذي مازلا ملتصقا داخل جسم الحامل ، وعلى هذا فانه يعتبر قتل الطفل ارتكابا لجريمة القتل سواء حدثت الاصابات قبل الولادة أو في اثنائها أو بعد حصولها ، واما الطفل الحى في رحم امه أو في طريق ولادته وان كان قد تنفس فلا يعتبر في كلا الحالتين كائنا حيا وقتل هذا الطفل لا يعتبر ارتكابا لجريمة القتل (3) 0
وفى نظرنا ، فان هذا الرأي محل نظر ، ذلك أن الولادة قد تكون طبيعية وهى تلك التي يخرج فيها الجنين إلي الحياة من المجرى الطبيعى للمراة ، وقد تكون الولادة غير طبيعية وهى تلك التي يتم اخراج الجنين عن طريق فتح بطن الام أو غير ذلك مما يسمى بالعمليات القيصرية 0
وفى كلتا الحالتين ، فعند الولادة أو التوليد قد يتم اخراج المولود على فترات ومراحـــــــــل ، فالوضع لا يتم دفعة واحدة يخرج بعدها الجنين إلي الدنيا بل قد يمتد ساعات وقد يطــــــــول اياما (4) ، ولا شك أن هذا الطفل الذي قد برزت اجزاء منه يجب أن يتمتع بالحماية ومن حقه على المجتمع الحفاظ على وجوده وبقائه وعدم الاعتداء عليه ، خاصة أن تمام ولادته أو توليده وانفصاله تماما عن جسم الحامل قد يطول اياما 0
ولذلك فان الرأي السائد فقها يذهب إلي أن حياة الانسان تبدا منذ لحظة ولادته وتمكنه من تنسم الحياة دون اعتماد على امه ، فلا عبرة بتمام الولادة وإنما المعيار هو بداية الولادة (5) 0
وعليه ، فان من يتعد بالقتل على جنين قد برزت بعضا من اجزائه أثناء عملية المخاض يعتبر مرتكبا لجريمة قتل 0
وفى نظرنا أن هذا الرأي الأخير هو الأولى بالاعتبار والتاييد نظرا لانه يحافظ على حق هذا الوليد في الحياة 0
ولكن من جانبنا نرى انه لا يمكن مطلقا اغفال مسالة التوليد الصناعى ، أو ما يسمى بالعمليات القيصرية ، وفى مثل هذه العمليات يتم توليد الجنين عن طريق اجراء عملية جراحية بفتح بطن الحامل ، ولذلك فاننا نرى أن بداية حياة المولود في هذه الحالة واعتباره انسانا هي من تلك اللحظة التي يبرز فيها جزء ولو قليل من الجنين خارج جسم الحامل أثناء اجراء عملية التوليد حتى ولو دخل هذا الجزء البارز أو ادخل مرة أخري إلي جسم الحامل كما كان 0
على انه يشترط سواء برز جزء من المولود أثناء عملية الولادة الطبيعية أو التوليد الصناعى أن يثبت أن الجنين أثناء بروزه هذا وحتى الاعتداء عليه كان حيا ، ولذلك يذهب البعض بان النفس لا تطلق إلا على الانسان الحى أي على الشخص من لحظة ولادته " حيا إلي اللحظة التي تزهق فيها روحه " (6) 0
ويلاحظ البعض أن الجنين الذي يلفظ إلي الخارج قبل الموعد الطبيعى لولادته لا يعتبر انسانا حيا إذا ثبت أن حياته كانت تتوقف على اتصاله بجسم الحامل بحيث أن انفصاله عنها قبل الاوان مما يؤدى حتما ولزاما إلي الوفاة ، فالعبرة لاعتباره انسانا حيا ــ لا مجرد جنين ــ هو في امكان مباشرته حياة مستقلة عن حياة امه ولو قبل الاوان (7) 0
اثبات تحقق الحياة : ــ
ويمكن اثبات تحقق الحياة بتبيان ما إذا كان ذلك الانسان قد صدر منه أي تصرف من تصرفات الاحياء ام لا ، ويكون ذلك بصراخ المولود أو تحريك جزء من اجزاء جسمه أو ثبوت دقات قلبه أو جريان الدورة الدموية فيه ، أو غير ذلك من صور الحياة ، فإذا تعذر على الشخص العادى التحقق من ذلك فانه يستعان باهل الخبرة والعلماء المتخصصين 0
والمفروض في قرارات الاتهام والاحالة التي تقدم للمحكمة لنظر ثبوت جريمة القتل ومعاقبة المتهم أن تكون قد انطوت على ذكر أن المقتول كان انسانا حيا ، كما أن المفروض كذلك على المحكمة أن تبين أن المحكوم عليه قد ازهق عمدا روح انسان حى ، ونرى أن عبء الإثبات بخصوص بداية الحياة وان القتل قد وقع أثناء حياة الانسان يكون من شان النيابة التي تباشر إجراءات التحقيق والاتهام 0
ولكن إذا لم يكن ثمة شك في الواقع أو الأوراق في ثبوت حياة المقتول أثناء واقعة القتـــــل ، فلا يشترط لصحة الحكم أن يثبت في مدوناته صراحة توافر هذا الشرط طالما انه لم يكن مدارا للنزاع 0
عدم الاعتداد بشخصية القتيل : ــ
أن المشرع يوجب أن يكون المجني عليه في جريمة القتل انسانا حيا ، ولذلك فقد نص على قوله " كل من قتل نفسا 000 " ، وقد احسن المشرع في صياغته هذه إذ هي صياغة تسمح بعمومية النفس البشرية ، وهى تتسع لتشمل كل انسان بغض النظر عن سنه أو حالته الاجتماعية أو طروفه الاقتصادية ، ويستوى فيه أي عقيدة يعتنقها أو أي دين يدين به ، ويستوى لونه فالابيض كالاسود ، والحاكم كالمحكوم ، ولا فرق بين عالم وجاهل ، أو غنى وفقير ، إذ الجميع أمام القانون سواء (9) 0
كما انه لا عبرة بقابلية الانسان للحياة طالما أن جريمة القتل وقعت عليه أثناء حياته ، فالجنين الذي يخرج إلي الدنيا ويجمع اهل الطب والعلم انه سوف يموت بعد لحظات لا محالة ، فانه مع ذلك يعتبر انسانا وقاتله في هذه الحالة يكون مسؤولا جنائيا ، ويكون ايضات كذلك ولو كان المقتول ولد وبه عيب خلقى أو قد جاء مشوها ، ومثال ذلك انه لو افترض أن امراة وضعت مولودا تجمع هيئته بين معالم الانسان والحيوان ، فانه يعتبر انسانا حيا طالما توافرت فيه الشروط التي قلناها سابقا (10) ، ويكون قاتله مسؤولا جنائيا عن جريمة قتل 0
واذا كان المجني عليه في جريمة القتل يتعين أن يكون انسانا حيا وفقا للمفهوم المذكور من قبل ، فان الاعتداء على الحيوانات ــ وان كانت اليفة ومستانسة ــ لا تعتبر جريمة قتل ، ولكنها تشكل جريمة أو جرائم أخري كجريمة اتلاف مال مملوك للغير ، أيضا فان الاعتداء على الجنين في بطن امه وازهاق روحه لا يعتبر قتلا ، وإنما يشكل جريمة اجهاض والمنصوص عليها في المواد من 260 إلي 264 من قانون العقوبات والتى سوف نقوم بدراستها في حينها بمشيئة الله تعالى 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مقدمة عامة فى جرائم ازهاق الروح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 0
(2) نقض 31/5/1960 مشار إليه في د 0 احمد فتحى سرور 0 الوسيط في قانون العقوبات 0 القسم الخاص 0 ط 4 ص550 هامش 1 0
(3) د 0 حسنين عبيد 0 جرائم الاعتداء على الاشخاص طـ 2 سنة 1984 هامش 8 ص 15 0
(4) د 0 سلوى توفيق بكير 0 دروس في جرائم الإعتداء على الأشخاص 0 طبعة 1986 ــ 1987 ص 16
(5) وفى قانون الجزاء الكويتى تنص المادة 155 على انه " يعتبر المولود انسانا يمكن قتله متى نزل حيا من بطن امه سواء في ذلك تنفس أو لم يتنفس وسواء كانت الدورة الدموية مشتغلة فيه ام لم تكن ، سواء كان حبل سرته قطع أو لم يقطع " 0
(6) د 0 حسن ابو السعود 0 قانون العقوبات المصري 0 القسم الخاص ج 1 طـ 1 سنة 1950 ــ 1951 ص 17 بند 14 0
(7) د 0 فتحى سرور 0 المرجع السابق ص 551 هـ 1 0
فلا يشترط لصحة الحكم أن يثبت في مدوناته صراحة توافر هذا الشرط طالما انه لم يكن مدارا للنزاع 0
( د 0 فتحى سرور 0 المرجع السابق بند 337 ص 552 0
(9) ويلاحظ أن قانون العقوبات قديما كان يستثنى من ذلك الملك ، فكل اعتداء على حياته ولو كان دون القتل أو على حريته عقوبته الاعدام ، وكذلك ولى العهد واوصياء العرش فكل اعتداء على حياتهم عقوبته الاعدام 0 انظر د 0 حسن ابو السعود قانون العقوبات المصري 0 القسم الخاص ج 1 طـ 1 سنة 1950 ــ 1951 هـ 1 ص 17 وما بعدها 0
(10) الاشارة السابقة 0
عدل سابقا من قبل في الجمعة سبتمبر 07, 2007 1:19 am عدل 1 مرات