من طرف مدحت الخطيب الأحد سبتمبر 02, 2007 11:27 pm
ثالثا ــ الأوراق المكتوبة الصادرة من الشريك :
الدليل الثالث الذي يؤخذ به في مواجهة الشريك في زنا الزوجة هو صدور أوراق مكتوبة منه ، ويعنى بهذا تلك الأوراق والمحررات التي يكتبها الشريك بخط يده ، وقد تطلب المشرع أن تكون هذه الأوراق مكتوبة بخط يد الشريك ذاته ، ونحن نرى انه يعد من باب الأوراق المكتوبة الصادرة من الشريك تلك الأوراق التي وان لم تكتب بيد الشريك الا أنها موقعة عليها منه ، يستوي أن يكون التوقيع كتابة أو بصمة أو ختما ، ولكن يشترط أن يكون عالما بما يحتويه هذا المحرر ، ونرى أيضا انه يستوي أن يكون المحرر مكتوبا أو موقعا باللغة العربية أو أي لغة أخري 0
وطالما كان الشرط هو أن يكون المحرر مكتوبا بيد الشريك أو موقعا عليه منه وان لم يكن المحرر مكتوبا بخطه فاننا نرى انه إذا دفع الشريك أن المحرر مكتوب بيد غيره أو كان التوقيع مزورا فان هذا الدفع يكون دفعا جوهريا ينبغي على المحكمة أن ترد عليه ردا كافيا وسائغا والا كان الحكم معيبا ويتعين نقضه لمخالفته القانون 0
إذن فالشرط الأساسي هنا هو أن يكون المحرر مكتوبا بخط يد الشريك أو موقعا عليه منه 0
إملاء الشريك المحرر على شخص اخر :
ولكن هل يمكن مساءلة الشريك أن هو أملى المحرر على شخص آخر فقام هذا الأخير بتحرير ما يملى عليه ؟
الفرض هنا أن الشريك لم يوقع المحرر ولم يبصمه أو يختمه بخاتمه ، والواقع أن المشرع تشدد دا في الدليل الذي يجب أن يقام ضد الشريك في زنا الزوجة حفاظا على السمعة ، والشريعة الإسلامية الغراء هي أيضا قبل المشرع الوضعي قد ضيقت إلي ابعد الحدود الأدلة التي تقام على الزانى أو الزانية 0
وإذا كان المشرع قد نص صراحة على أن الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا وجود مكاتيب أو أوراق أخري مكتوبة ، فاننا نرى انه لا يجوز عقاب الشريك الذي يملى كلمات على آخر فيقوم هذا الأخير بتحرير ما يملى عليه ، خاصة انه قد يتعمد البعض الكذب والافتراء فينسبون إلي برئ ظلما وعدوانا ما لم يقله أو يمله ويدبرون كل التدابير في شان إقناع القاضي بأن المتهم هو الذي أملى عليهم هذا المحرر ، وقد يقتنع القاضي فيدين المتهم وهو من الاتهام براء 0
التسجيلات الصوتية الصادرة عن الشريك :قد يقوم الشريك في الزنا بتسجيل ما يريده تسجيلا صوتيا بحيث يفهم منه انه قارف الفعل المجرم قانونا ، أو أن يكون ثمة جهاز تسجيل موجودا ويسجل كل صوت أو صراخات صادرة من الشريك أو الزوجة اثناء قيامهما بالفعل المكون للجريمة ، فهل يعتبر هذا التسجيل الصوتي دليلا ضد الشريك في زنا الزوجة ؟
يجب أن نعلم أن بعض الناس قد حباهم الله عز وجل بموهبة تقليد الأصوات ، فهم على استعداد بتقليد أصوات أي إنسان أو حيوان أو غير ذلك 0
وإذا أضفنا إلي ذلك أن التسجيل قد يكون غير نقى ، وأيضا فبعض الناس يكون لديهم إلي درجة كبيرة جدا صوتا متشابها مع بعض الناس الآخرين بحيث لا يمكن التمييز بينهما الا بصعوبة 0
إذا وضعنا كل ذلك في حسباننا فاننا يمكن أن نجد أن الصوت الذي هو مسجل هو غير صوت المتهم بالاشتراك في زنا الزوجة ، فالأمر اذن لا يقوم على أساس من اليقين ، والإدانة في الأحكام الجنائية تبنى على اليقين وليس على الشك 0
بناء عليه ، فاننا نرى انه لا يكفى أن يكون ثمة تسجيل صوتي صادر عن المتهم لكي تدينه المحكمة خاصة وان المادة 276 عقوبات قد نصت صراحة كما سبق على صدور مكاتيب أو أوراق أخري مكتوبة منه ، وليس التسجيل الصوتي من قبيل الأوراق أو المكاتب المنصوص عليها في المادة 276 عقوبات 0
الصور الفوتوغرافية :أولا يجب أن نميز بين ما إذا كانت هذه الصور الفوتوغرافية هي صور لتلك المكاتيب والأوراق الأخري الصادرة من الشريك أو هي صور تجمع بين كل من الشريك والزوجة والتي يتبين منها انهما في وضع مريب 0
فإذا كانت هذه الصور من قبيل النوع الأول فإنها تعتبر حجة طالما ثبت للقاضى أنها صور طبق الأصل للمحرر الصادر عن الشريك وبالتالي فانه يمكن إدانة الشريك بناء على هذه الصور الفوتوغرافية لهذه الأوراق والمحررات الصادرة عن هذا الشريك 0
اما إذا كانت الصور تجمع بين كل من الشريك والزوجة في وضع مريب ، فقد ذهب البعض إلي أنها تعتبر في الواقع دليلا على التلبس بالزنا ، إذ أن الصورة التي يظهر فيها المتهمان وهما يرتكبان ذات الفعل المجرم تنبئ بذاتها عن سبق حالة التلبس ، ولكن يجب على المحكمة أن تتأكد من سلامة الصورة عن طريق الاستعانة بأهل الخبرة (1) 0
ولكن علينا أن نعلم أن الكثير من الكاميرات الفوتوغرافية هذه الأيام تعمل أوتوماتيكيا بحيث يعدها من يريد التصوير بها فتلتقط هي الصورة بنفسها أوتوماتيكيا دون أن يقربها شخص ، ولذلك فانه من الممكن أن يقوم شخص بتصوير نفسه بواسطة هذه الكاميرات الأتوماتيكية دون أن يكون معه أحد غيره 0
ولذلك فحالة التلبس التي يشير إليها هذا الرأي السالف بيانه قد تكون فعلا موجودة إذا ما كان ثمة شخص ثالث يلتقط صورا للشريك مع الزوجة ، اما إذا كانت الكاميرات تعمل أوتوماتيكيا ولا تحتاج لشخص ثالث ليصور الشريك والزوجة فانه لا يمكن أن تكون ثمة حالة تلبس موجودة 0
فضلا عن ذلك فان الفن والعلم قد تطور تطورا كبيرا جدا بحيث يمكن لنا أن نجد بمكان صورة قد أبدعها صاحبها تبين وجود رجل وامرأة في وضع مريب دون أن يحدث ذلك فعلا 0
لذلك فنحن نذهب إلي ما ذهب إليه جمهور الفقه والقضاء على اعتبار عدم جواز قياس الصور الفوتوغرافية التي تبين المتهم في وضع مريب مع الزوجة على تلك الأوراق الصادرة من الشريك ، لان المكاتيب التي تعنيها المادة 276 عقوبات يشترط مع دلالتها أن تكون محررة من المتهم نفسه (2) 0
عدم اشتراط صراحة الأوراق : ــ
سبق أن قلنا انه يشترط أن توجد أوراق أو مكاتيب صادرة من الشريك تفيد اقترافه للفعل المؤثم قانونا مع الزوجة ، ولكن بقى أن نقول لأنه لا يشترط أن تكون هذه الأوراق تحتوى على اعتراف صريح من الشريك باقترافه الفعل المؤثم قانونا ، بمعنى آخر انه لا يشترط في الأوراق أن تكون صريحة أو ضمنية بحيث لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الشريك ارتكب الفعل ، فالأوراق والمكاتيب التي يجوز الإثبات بها لا يشترط فيها أن تكون قاطعة بوقوع الفعل المعاقب عليه ، بل يكفى أن يكون المحصل الذي يستخرجه القاضي منها مؤديا إلي إثبات وقوع الفعل المذكور (3) 0
الحصول على المحرر بالقوة : ــ
يجب على كل من يريد أن يحصل على دليل أن يستمده بطريقة مشروعة وقانونية ، وبالتالي فمؤدى القواعد العامة انه إذا استولى زوج على متاع خاص بزوجته لكي يحصل منه على دليل كتابي صادر من عشيقها إليها ، خاصة إذا كان هذا الاستيلاء بالقوة ، فان هذا الدليل ــ المحرر الكتابي ــ لا يجوز الأخذ به كدليل إدانة ، إذ انه جاء نتيجة الاستيلاء والاغتصاب والقوة ، أي انه جاء بطريقة غير مشروعة 0
غير أن محكمة النقض قد جاءت بحكم هام جدا وقالت : أن الزوج في علاقته مع زوجته ليس على الإطلاق من الغير في حدود سرية المكاتبات ، فان عشرتهما وسكون كل منهما إلي الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها ، فذلك يخول لكل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة زميله في سلوكه وفى سيرته وغير ذلك مما يتصل بالحياة الزوجية كي يكون كل على بينة من عشيره ، وهذا يسمح له عند الاقتضاء أن يتقصى ما عساه يساوره من الظنون أو شكوك ليتنبه فيهدأ باله أو ليتثبت منه فيقرر ما يرتئيه ، وإذن فإذا كانت الزوجة قد حامت حولها الشبهات وتقوت إلي الحد الذي تحدث عنه الحكم يكون للزوج وهو ممتلئ اقتناعا بأن حقيبة زوجته الموجودة في بيته وتحت بصره بها رسائل من عشيق ، أن يستولي على هذه الرسائل ولو خلسة ثم يستشهد بها على زوجته إذا ما رأي محاكمتها لإخلالها بعقد الزواج (4) 0
ومقتضى هذا الحكم أن للزوج أن يفتش حقائب زوجته وأمتعتها إذا ما ساوره الشك أنها تحوى رسائل ومحررات صادرة من عشيق لها ، غير أن هذه الرخصة لا يملكها الا إذا كانت هذه الحقائب أو الأمتعة موجودة فى منزل الزوجية ، اما إذا كانت الأمتعة في منزل عشيقها أو منزل أبيها أو أي منزل آخر فلا يجوز للزوج أن يستولي عليها أو يفتشها بحثا عما فيها 0
لذلك نرى أن الدفع بأن الحقيبة أو المتاع الذي به المحرر الصادر عن الشريك في زنا الزوجة كان موجودا في غير منزل الزوجية يعتبر دفعا جوهريا ويجب على المحكمة الرد عليه ردا كافيا والا كان الحكم معيبا ووجب نقضه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مشار إليه في كتاب الدكتور أدوار الذهبى ــ المرجع السابق ص 49 هـ 3 0
(2) د 0 أدوار الذهبى 0 المرجع السابق ، وانظر حكم النقض المشار إليه ص 49 هـ 3 0(3) د 0 أدوار الذهبى 0 المرجع السابق ، وانظر حكم النقض المشار إليه ص 49 هـ 3 0
(4) نقض 19 مايو 1941 مجموعة القواعد القانونية ج 5 رقم 259 ص 472 0