من طرف مدحت الخطيب السبت سبتمبر 13, 2008 1:47 am
احتيال أهل القرى على انتهاك محارم الله
لقد جاءت الشرائع الإسلامية لهداية البشر ، فحرمت عليهم أشياء وأحلت لهم أشياء ، والتحريم والتحليل هنا من اجل مصلحة الناس حتى وان كانوا لا يدركون علة الحل أو الحرمة ، ومن هنا كان لزاما على الناس أن يلتزموا بشرع الله فيما أحله لهم وفيما حرمه عليهم
ولعل البعض يجد في المسائل المحرمة أو المنهي عنها حرجا وضيقا ، ولكي يتجنبوا هذا الضيق والحرج فإنهم يحاولون الاحتيال على شرع الله تعالى لعلهم يجدون مخرجا أو طريقا يؤدى بهم إلى الخروج على الأحكام الشرعية فيظنون أنهم لم يخالفوا الشرع ولم يخرجوا على قواعد التحليل والتحريم
ولكن الله تعالى يخبرنا أن هذا التحايل أو الاحتيال ليس في محله وانه سوف يؤدى إلى أسوأ العواقب الوخيمة ، فليس هناك مفر أبدا إلا الالتزام بحكم الله ، أما الاحتيال لإهدار هذا الحكم فانه لا ينفع أبدا
وقد صور القران الكريم لنا نماذج من أهل القرى الذين حاولوا الاحتيال على أحكام الله والخروج عليها ، ومن بين هذه الصور ما قام به بنو إسرائيل بالاحتيال على صيد الأسماك في يوم السبت ، حيث يقول تعالى {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }الأعراف163
وقد أشار القران الكريم إلى هذه القصة في موضع آخر من القران الكريم حيث قال {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }البقرة65
وقد أورد الطبرى في تفسيره ما يلي :
1139 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل قال ، حدثنا محمد بن إسحاق , عن داود بن الحصين , عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال ابن عباس : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم ــ يوم الجمعة ــ فخالفوا إلى السبت فعظموه ، وتركوا ما أمروا به . فلما أبوا إلا لزوم السبت ، ابتلاهم الله فيه , فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره . وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها " مدين " . فحرم الله عليهم في السبت الحيتان : صيدها وأكلها . وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم , حتى إذا ذهب السبت ذهبن , فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا . حتى إذا كان يوم السبت أتين إليهم شرعا , حتى إذا ذهب السبت ذهبن . فكانوا كذلك, حتى إذا طال عليهم الأمد وقَرِموا إلى الحيتان (1) عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت ، فخزمه بخيط, ثم أرسله في الماء , وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ، ثم تركه . حتى إذا كان الغد ، جاء فأخذه ــ أي : إني لم آخذه في يوم السبت - ثم انطلق به فأكله . حتى إذا كان يوم السبت الآخر ، عاد لمثل ذلك ، ووجد الناس ريح الحيتان ، فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان ! ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل . ( 2 ) قال : ففعلوا كما فعل , وأكلوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم بعقوبة ، حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق . وقالت طائفة منهم من أهل البقيّة : (3) ويحكم ! اتقوا الله ! ونهوهم عما كانوا يصنعون . وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ، ولم تنه القوم عما صنعوا : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ لسخطنا أعمالهم - وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [ الأعراف: 164 ] ، قال ابن عباس : فبينما هم على ذلك ، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم , وفقدوا الناس فلا يرونهم . فقال بعضهم لبعض : إن للناس لشأنا ! فانظروا ما هو ! فذهبوا ينظرون في دورهم , فوجدوها مغلقة عليهم , قد دخلوا ليلا فغلقوها على أنفسهم ، كما يغلق الناس على أنفسهم , فأصبحوا فيها قردة , وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد , والمرأة بعينها وإنها لقردة , والصبي بعينه وإنه لقرد . قال : يقول ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء ، لقلنا أهلك الجميع منهم . قالوا : وهي القرية التي قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ الآية [ الأعراف: 163]
هذا ما أورده الطبرى في تفسيره تعليقا على ما جاء في سورة البقرة
ويتبين لنا مما سبق أن بنى إسرائيل عوقبوا على احتيالهم بمسخهم قردة ، ولكننا نلاحظ انه لم يمسخهم خنازير ، فهل مُسخوا خنازير ؟
جاء في تفسير الشعراوى : هذه قضية قوم غضب الله عليهم ومسخهم قردة وخنازير وعبدة الطاغوت .. ولقد أخبرنا الله جل جلاله أن اليهود مسخوا قردة .. ولكنه لم يقل لنا أنهم مسخوا خنازير .. فهل مسخوا قردة؟ ثم بعد ذلك ازداد غضب الله عليهم ومسخوا خنازير؟ وهل نقلهم الله من إنسانية إلي بهيمية في القيم والإرادة والخلقة؟ نقول علينا أولا أن ننظر إلي البهيمية التي نقلهم الله إليها .. نجد أن القردة هي الحيوان الوحيد المفضوح العورة دائما .. وإن عورته لها لون مميز عن جسده .. وأنه لا يتأدب إلا بالعصا .. واليهود كذلك لم يقبلوا المنهج إلا عندما رفع فوقهم جبل الطور .. وما هم فيه الآن ليس مسخ خلقه ولكن مسخ خلق .. والخنازير لا يغارون على أنثاهم وهذه لازمة موجودة في اليهود .. وعبدة الطاغوت .. الطاغوت هم الطائعون لكل ظالم يعينونه على ظلمه وهم كذلك. إذن فعملية المسخ هذه سواء تمت مرة واحدة أو على مرتين مسألة شكلية .. ولكن الله سبحانه وتعالى أعطانا في الآية التي ذكرناها في سورة المائدة سمات اليهود الأخلاقية .. فكأنهم مسخوا خلقه ومسخوا أخلاقا
ومن جماع ما سبق يتبين لنا العواقب الوخيمة لمن يحتال على شرع الله ، وللأسف الشديد فنحن في وقتنا الحالي نجد بعض المسلمين يحاولون قدر مستطاعهم التحايل أو الاحتيال على أحكام الشريعة الغراء ، فعلى سبيل المثال ما يلي : ــ
1 ــ يضعون مسميات للخمور مثل : فودكا- شمبانيا- ويسكى- كونياك 000 الخ ، ويقولون أن المحرم هو تعاطى الخمر وليس الـ شمبانيا أو الـ فودكا مثلا ، ونسوا قول الرسول عليه السلام : كل مسكر خمر وكل خمر حرام
2 ــ يبتدعون زواج المحلل ونسوا أن المحلل والمحلل له ملعونان كما جاءت الأحاديث بذلك ومنها ما يلي :
194432 - لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له
الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: ابن دقيق العيد - المصدر: الاقتراح - الصفحة أو الرقم: 101 خلاصة الدرجة: صحيح
183354 - لعن الله المحلل والمحلل له
الراوي: - المحدث: ابن تيمية - المصدر: رفع الملام - الصفحة أو الرقم: 68
خلاصة الدرجة: صحيح
3 ــ الاحتيال لإسقاط الزكاة قبل وجوبها ، كأن يتم التصرف في المال الزكوي قبل تمام الحول ، أو تغيير النية في النصاب الزكوي قبل تمام الحول ، أو كأن يتم الاحتيال لإسقاط الزكاة بعد وجوبها كإسقاط الديون عن المعسرين واحتسابها من الزكاة ، أو الإنفاق وقضاء الواجبات واحتسابها من الزكاة ، أو كأن يتم الاحتيال لإنقاص وعاء الزكاة بتخفيض حقوق الملكية أو بتضخيم عروض القنية وما في حكمها ، أو كأن يتم الاحتيال لأخذ الزكاة بشغل الذمة بالديون لأعمال خيرية ، أو بالتواطؤ مع مستحق الزكاة في صرفها لأعمال خيرية
ولعله من المناسب هنا أن نأخذ العظة والعبرة من قوله تعالى : كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ، ولنحذر كل الحذر من الفسوق والخروج عن طاعة حكم الشرع الحنيف ، وان نصبر على البلاء حيث لا يستوي الصابرون وغير الصابرين