بتاريخ 13 / 1 / 2008 اصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما يقضى بعدم دستورية بعض مواد ونصوص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 معدلاً بالقانون رقم 90 لسنة 2005
ونظرا لاهمية هذا الحكم فاننا ننشر نصه كاملا
والى حضراتكم نص الحكم
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثالث عشر من يناير سنة 2008م ، الموافق الخامس من المحرم سنة 1429 ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبدالواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور
وعلى عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار وسعيد مرعى عمرو
والدكتور عادل عمر شريف
وحضور السيد المستشار / رجب عبدالحكيم سليم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 26 لسنة 27 قضائية " دستورية
المقامة من
شركة الدلتا لحليج الأقطان
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الوزراء
3 السيد رئيس مجلس الشعب
4 السيد وزير العدل
5 السيد / عبدالعزيز عواض عبدالعزيز المحامى
6 الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج
الإجراءات
بتاريخ الثلاثين من يناير سنة 2005 أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (71) من القانون رقم 12 لسنة 2003 فى فقرتها الأولى من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط قرار وزير العدل رقم 3539 لسنة 2003 الصادر تنفيذاً لهذا النص التشريعى ، وبعدم دستورية ما نصت عليه المادة (72) من القانون ذاته من صدور قرار اللجنة بأغلبية الآراء .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، حيث قررت المحكمة بجلستها المنعقدة فى 13/5/2007 إعادتها لهيئة المفوضين لبحث دستورية نص المادتين (71) و (72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 فى ضوء التعديل الذى أُدخل عليهما بالقانون رقم 90 لسنة 2005 ، فأعدت الهيئة تقريراً تكميلياً ضمنته رأيها ، وقررت المحكمة إصدار حكمها فى الدعوى بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 177 لسنة 2000 عمال كلى جنوب القاهرة ضد الشركة المدعية وفى مواجهة الشركة المدعى عليها الأخيرة بطلب القضاء بأحقيته فى صرف بدل التفرغ المقرر له وفقاً للأجر الأساسى المحدد لدرجته الوظيفية وما طرأ عليه من زيادات إعمالاً لحكم المادة (35) من لائحة نظام العاملين بالشركة وذلك اعتباراً من
1/7/1995 مع تعويضه بمبلغ خمسة آلاف جنيه . وإثر صدور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 أُحيلت الدعوى إلى اللجنة الخماسية المشكلة وفقاً لحكم المادة (71) منه وقيدت برقم 2769 لسنة 2003 . وبجلسة 20/5/2004 قضت تلك اللجنة بأحقيته فى طلباته وتعويضه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه ، وإذ لم ترتض الشركة المدعية هذا القضاء فقد طعنت عليه بالاستئناف رقم 923 لسنة 121 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة ، كما أقامت المدعى عليها الخامسة الاستئناف رقم 937 لسنة 121 قضائية طعناً على القضاء ذاته ، وبعد أن ضمت تلك المحكمة الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد ، دفع الحاضر عن الشركة المدعية بجلسة 12/1/2005 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة
(71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط المادة (72) من القانون ذاته ، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع قررت تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14/4/2005 لإقامة الطعن بعدم الدستورية فأقيمت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلة بالقانون رقم 90 لسنة 2005 تنص على أن :
" تشكل بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الجهات المعنية لجان ذات اختصاص قضائى من :
- اثنين من القضاة تكون الرئاسة لأقدمهما وفقاً للقواعد المقررة بقانون السلطة القضائية .
- مدير مديرية القوى العاملة والهجرة المختص أو من ينيبه .
- ممثل عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .
- ممثل عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية .
ويكون انعقاد اللجنة صحيحاً بحضور أغلبية الأعضاء على أن يكون من بينهم القاضيان الممثلان فيها
وتختص اللجنة دون غيرها بالفصل فى المنازعات الفردية الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون ، وتفصل اللجنة فى النزاع المعروض عليها خلال ستين يوماً من تاريخ عرضه عليها .
وعلى اللجنة أن تفصل فى طلب فصل العامل خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ أول جلسة ، فإذا رفضت الطلب ألزمت صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله ، وبأن يؤدى إليه ما لم يصرف له من مستحقات .
فإذا لم يقم صاحب العمل بتنفيذ قرار اللجنة بإعادة العامل إلى عمله اعتبر ذلك فصلاً تعسفياً يستوجب التعويض طبقاً للمادة (122) من هذا القانون .
وعلى اللجنة أن تفصل فى الموضوع بالتعويض المؤقت إذا طلب العامل ذلك .
ويكون قرار اللجنة فى هذه الحالة واجب النفاذ فوراً ولو طلب استئنافه .
وتخصم المبالغ التى يكون العامل قد استوفاها تنفيذاً لقرار اللجنة بوقف التنفيذ من مبلغ التعويض الذى قد يُحكم له به أو من أية مبالغ أخرى مستحقة له لدى صاحب العمل .
وإذا ثبت أن فصل العامل كان بسبب نشاطه النقابى قضت اللجنة بإعادته إلى عمله إذا طلب ذلك .
ويتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص أحكام قانونى المرافعات والإثبات فى المواد المدنية والتجارية " .
وتنص المادة (72) من القانون ذاته على أن :
" يصدر قرار اللجنة بأغلبية أعضائها الحاضرين وفى حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذى منه رئيسها .
ويكون قرار اللجنة مسبباً ويعتبر بمثابة حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ، وذلك بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من قلم كتاب المحكمة الابتدائية المختصة .
ويجوز الطعن فى القرار الصادر من اللجنة أمام المحكمة الاستئنافية المختصة وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية " .
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ، فإنه مردود ذلك أن الثابت من الاطلاع على محضر الجلسة المودع بأوراق الدعوى الماثلة أن الحاضر عن الشركة المدعية قد دفع أمام محكمة استئناف القاهرة بجلسة 12/1/2005 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 فى فقرتها الأولى من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط المادة (72) من القانون ذاته ، فقررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14/4/2005 ليقدم الحاضر عن الشركة المدعية دليل الطعن بعدم الدستورية ، وإذ أُقيمت الدعوى الماثلة فى 30/1/2005 خلال الأجل الذى ضربته محكمة الموضوع وبما
لا يجاوز ثلاثة أشهر ، فإن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة يكون قائماً على غير أساس متعيناً رفضه .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع ، ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين : أولهما : أن يقيم المدعى الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به ، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً ، ثانيهما : أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه.
متى كان ما تقدم ، وكانت الشركة المدعية تبغى من دعواها الموضوعية المطروحة على محكمة الاستئناف إلغاء قرار اللجنة الخماسية الصادر بإجابة المدعى عليه الخامس إلى طلباته ، فمن ثم تضحى لها مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن بعدم دستورية نص المادة (71) من قانون العمل الذى نظم تشكيل هذه اللجان على نحو يغلب فيه العنصر الإدارى ، وكذلك نص المادة
(72) من القانون ذاته والذى أسبغ وصف الأحكام على ما تصدره هذه اللجان من قرارات ، إذ إن الفصل فى أمر دستورية هذين النصين – فى ضوء المطاعن الدستورية التى وجهتها الشركة المدعية لهما – سيكون له انعكاس على قضاء محكمة الاستئناف فى الاستئنافين المقامين أمامها .
وحيث إن التنظيم التشريعى الذى أتى به المشرع فى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 والذى يقضى بإسناد ولاية الفصل فى المنازعات العمالية الفردية إلى اللجان المنصوص عليها فى المادة (71) منه دون غيرها ، وأن ما تصدره هذه اللجان من قرارات تعتبر بمثابة أحكام صادرة عن المحاكم الابتدائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليها على ما قضت به المادة (72) من القانون ذاته لم يصبه تعديل جوهرى ينال من بنيان هذه اللجان أو من طبيعة ما تصدره من قرارات بالتعديل الذى أدخله المشرع على النصين المطعون عليهما بالقانون رقم 90 لسنة 2005 سوى ما ورد بالقانون الأخير بالنص فى المادة
(71) على أن يكون انعقاد اللجنة صحيحاً بحضور أغلبية الأعضاء على أن يكون من بينهم القاضيان الممثلان فيها ، وما قضت به المادة (72) من أنه فى حال تعادل الأصوات يرجح الجانب الذى منه رئيسها ، ومن ثم فإن هذه المحكمة ترى التصدى لهذين النصين معدلين بالقانون رقم 90 لسنة 2005 حسماً لأمر دستوريتهما ، وبذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة فى نص المادتين (71) و(72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلين بالقانون رقم 90 لسنة 2005 .
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصين المطعون عليهما مخالفة أحكام المواد 40 و65 و67 و68 و165 و168 من الدستور قولاً منها بأن المشرع استحدث بها لجنة ذات تشكيل مزدوج قضائى وغير قضائى وجعل للعنصر الأخير الغلبة فى التشكيل ومنحها دون غيرها الاختصاص بالفصل فى المنازعات الفردية الناشئة عن قانون العمل وأسبغ على قراراتها وصف الأحكام بالرغم من أن ثلاثة من أعضائها لا تتوافر فيهم الحيدة والاستقلال الواجب توافرهما فى القضاة باعتبارهما ضمانتين لازمتين للفصل فى المنازعات فضلاً عن أنه لا يجوز التذرع بطبيعة المنازعة العمالية وما تتطلبه من سرعة الفصل فيها لمخالفة أحكام الدستور التى جعلت ولاية القضاء للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها باعتبار أن القضاة – على ما نص عليه الدستور – مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون كما لا يجوز لأية سلطة التدخل فى شئون العدالة.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محدداً بقانون ، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى الذى يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال ، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل فى خصومة بقرارات حاسمة ، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها والتى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفاً ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية مبلوراً لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها .
وحيث إن من المقرر أن استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاضٍ لوقائع النزاع ، وفهمه لحكم القانون بشأنها ، متحرراًَ من كل قيد ،
أو تأثير ، أو إغواء ، أو وعيد ، أو تدخل ، أو ضغوط أياً كان نوعها أو مداها أو مصدرها ، وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية .
وحيث إن استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة وإن كفلتهما المادتان 165 و 168 من الدستور ، توقياً لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق ، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون . وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضى ، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة ، وهو أمر يقع غالباً إذا فصل القاضى فى نزاع سبق أن أبدى فيه رأياً ، ومن ثم تكون حيدة القاضى شرطاً لازماً دستورياً لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون .
وحيث إن ضمانة المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور بنص المادة
(76) منه تعنى أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها – ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية – وأن تقوم على الفصل فيها محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون ، يتمكن الخصم فى إطارها من إيضاح دعواه ، وعرض آرائها والرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حُججهم على ضوء فرص يتكافئون فيها جميعاً ، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها ، وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملاً محدِّداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة .
وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة (68) من ان لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية ، وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق فى محتواه المقرر دستورياً بما لا يجوز معه مباشرته على فئة دون أخرى ، أو إجازته فى حالة بذاتها دون سواها ، كما أن هذا الحق باعتباره من الحقوق العامة التى كفل الدستور بنص المادة (40) المساواة بين المواطنين فيها ، لا يجوز حرمان طائفة منهم من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام منازعة فى حق من الحقوق – وإلا كان ذلك إهداراً لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من الحق ذاته .
وحيث إن النصين المطعون عليهما يخالفان أحكام الدستور من أوجه عدة أولها : أن اللجنة التى أنشأها المشرع وعهد إليها ولاية الفصل فى المنازعات الفردية التى قد تنشأ بين العامل ورب العمل هى لجنة يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى فهى تتكون من قاضيين وثلاثة أعضاء أحدهما مدير مديرية القوى العاملة المختص أو من ينيبه ، والثانى ممثل عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ، والثالث ممثل عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية ، وأعضاء اللجنة من غير القضاة لا يتوافر فى شأنهم – فى الأغلب الأعم – شرط التأهيل القانونى الذى يمكنهم من تحقيق دفاع الخصوم وتقدير أدلتهم ، وبفرض توافر هذا الشرط فى أحدهم أو فيهم جميعاً ، فإنهم يفتقدون لضمانتى الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما فى القاضى ، فضلاً عن أن مدير مديرية القوى العاملة المختص بحسبانه رئيس الجهة الإدارية التى تتولى تسوية النزاع ودياً قبل عرضه على تلك اللجنة ، يكون قد اتصل بالنزاع وأبدى فيه رأياً ومن ثم فلا يجوز له أن يجلس فى مجلس القضاء بعد ذلك للفصل فى النزاع ذاته ، وثانيها : أن القرارات التى تصدر من هذه اللجان لا يمكن وصفها بالأحكام القضائية – حتى وإن أسبغ عليها المشرع هذا الوصف – ذلك أن الأحكام القضائية لا تصدر إلا من المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، وهذه اللجنة – وكما سبق القول – هى لجنة إدارية ، ومن ثم فإن ما يصدر عنها لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً ، وليست له من صفة الأحكام القضائية شئ ، ولا ينال من ذلك ما نصت عليه المادة (71) المطعون عليها من اشتراط وجود قاضيين كى يكون انعقاد اللجنة صحيحاً ، ذلك أنه بافتراض وجود هذين القاضيين وحضور الأعضاء الثلاثة الباقيين يمكن أن يصدر القرار بالأغلبية ، والأغلبية ، فى هذه الحالة للعنصر الإدارى ، ومن ثم فلا يمكن أن يوصف القرار الصادر منها بأنه حكم أو قرار قضائى . وثالثها : أن نص المادة (72) المطعون فيه وإن اعتبر القرار الصادر من هذه اللجنة بمثابة حكم صادر من المحكمة الابتدائية يُطعن عليه أمام محكمة الاستئناف وهو وصف جاوز به المشرع الحقيقة لأن ما يصدر عن هذه اللجنة بحسبانها لجنة إدارية لا يعدو أن يكون قراراً إدارياًَ ، إلا أن الطعن على هذه القرارات أمام محكمة الاستئناف وعلى ما يقضى به النص ذاته يتم وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الذى لا يجيز الطعن فى الأحكام الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى من محاكم الدرجة الأولى فى بعض الحالات مما يجعل هذه القرارات عندئذ غير قابلة للطعن عليها قضائياً الأمر الذى يخالف المادة (68) من الدستور التى تحظر النص على تحصين أى قرار إدارى من رقابة القضاء .
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن النصين المطعون عليهما يكونان قد خالفا أحكام المواد (40) و (64) و (65) و (68) و (165) من الدستور ، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستوريتهما يكون متعيناً .
وحيث إن المادة (70) من القانون ذاته تنص على أنه " إذا نشأ نزاع فردى فى شأن تطبيق أحكام هذا القانون جاز لكل من العامل وصاحب العمل أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ النزاع تسويته ودياً ، فإذا لم تتم التسوية فى موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلى اللجنة القضائية المشار إليها فى المادة (71) من هذا القانون فى موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماً من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على اللجنة ، ولأى منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه " .
وحيث إن القضاء بعدم دستورية المادتين (71) و (72) من القانون ذاته بما تضمنتاه من تشكيل اللجنة والطعن على قراراتها يستتبع بحكم اللزوم سقوط الأحكام المتصلة بهما ، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بسقوط العبارة الواردة بنص المادة (70) من القانون ذاته والتى تبدأ ب " فإذا لم تتم التسوية ودياً " إلى آخر نص المادة المذكورة ، وكذلك سقوط قرار وزير العدل رقم (3539) لسنة 2003 بتشكيل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة أولاً : بعدم دستورية نص المادتين (71) و (72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلاً بالقانون رقم 90 لسنة 2005 .
ثانياً : بسقوط العبارة الواردة بالمادة (70) من القانون ذاته والتى تنص على أن " فإذا لم تتم التسوية فى موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلى اللجنة القضائية المشار إليها فى المادة (71) من هذا القانون فى موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماً من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على اللجنة ، ولأى منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه " .
ثالثاً : سقوط قرار وزير العدل رقم (3539) لسنة 2003 بتشكل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
رابعاً : إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ونظرا لاهمية هذا الحكم فاننا ننشر نصه كاملا
والى حضراتكم نص الحكم
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثالث عشر من يناير سنة 2008م ، الموافق الخامس من المحرم سنة 1429 ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبدالواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور
وعلى عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار وسعيد مرعى عمرو
والدكتور عادل عمر شريف
وحضور السيد المستشار / رجب عبدالحكيم سليم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 26 لسنة 27 قضائية " دستورية
المقامة من
شركة الدلتا لحليج الأقطان
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الوزراء
3 السيد رئيس مجلس الشعب
4 السيد وزير العدل
5 السيد / عبدالعزيز عواض عبدالعزيز المحامى
6 الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج
الإجراءات
بتاريخ الثلاثين من يناير سنة 2005 أودعت الشركة المدعية صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (71) من القانون رقم 12 لسنة 2003 فى فقرتها الأولى من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط قرار وزير العدل رقم 3539 لسنة 2003 الصادر تنفيذاً لهذا النص التشريعى ، وبعدم دستورية ما نصت عليه المادة (72) من القانون ذاته من صدور قرار اللجنة بأغلبية الآراء .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، حيث قررت المحكمة بجلستها المنعقدة فى 13/5/2007 إعادتها لهيئة المفوضين لبحث دستورية نص المادتين (71) و (72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 فى ضوء التعديل الذى أُدخل عليهما بالقانون رقم 90 لسنة 2005 ، فأعدت الهيئة تقريراً تكميلياً ضمنته رأيها ، وقررت المحكمة إصدار حكمها فى الدعوى بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 177 لسنة 2000 عمال كلى جنوب القاهرة ضد الشركة المدعية وفى مواجهة الشركة المدعى عليها الأخيرة بطلب القضاء بأحقيته فى صرف بدل التفرغ المقرر له وفقاً للأجر الأساسى المحدد لدرجته الوظيفية وما طرأ عليه من زيادات إعمالاً لحكم المادة (35) من لائحة نظام العاملين بالشركة وذلك اعتباراً من
1/7/1995 مع تعويضه بمبلغ خمسة آلاف جنيه . وإثر صدور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 أُحيلت الدعوى إلى اللجنة الخماسية المشكلة وفقاً لحكم المادة (71) منه وقيدت برقم 2769 لسنة 2003 . وبجلسة 20/5/2004 قضت تلك اللجنة بأحقيته فى طلباته وتعويضه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه ، وإذ لم ترتض الشركة المدعية هذا القضاء فقد طعنت عليه بالاستئناف رقم 923 لسنة 121 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة ، كما أقامت المدعى عليها الخامسة الاستئناف رقم 937 لسنة 121 قضائية طعناً على القضاء ذاته ، وبعد أن ضمت تلك المحكمة الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد ، دفع الحاضر عن الشركة المدعية بجلسة 12/1/2005 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة
(71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط المادة (72) من القانون ذاته ، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع قررت تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14/4/2005 لإقامة الطعن بعدم الدستورية فأقيمت الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلة بالقانون رقم 90 لسنة 2005 تنص على أن :
" تشكل بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الجهات المعنية لجان ذات اختصاص قضائى من :
- اثنين من القضاة تكون الرئاسة لأقدمهما وفقاً للقواعد المقررة بقانون السلطة القضائية .
- مدير مديرية القوى العاملة والهجرة المختص أو من ينيبه .
- ممثل عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .
- ممثل عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية .
ويكون انعقاد اللجنة صحيحاً بحضور أغلبية الأعضاء على أن يكون من بينهم القاضيان الممثلان فيها
وتختص اللجنة دون غيرها بالفصل فى المنازعات الفردية الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون ، وتفصل اللجنة فى النزاع المعروض عليها خلال ستين يوماً من تاريخ عرضه عليها .
وعلى اللجنة أن تفصل فى طلب فصل العامل خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ أول جلسة ، فإذا رفضت الطلب ألزمت صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله ، وبأن يؤدى إليه ما لم يصرف له من مستحقات .
فإذا لم يقم صاحب العمل بتنفيذ قرار اللجنة بإعادة العامل إلى عمله اعتبر ذلك فصلاً تعسفياً يستوجب التعويض طبقاً للمادة (122) من هذا القانون .
وعلى اللجنة أن تفصل فى الموضوع بالتعويض المؤقت إذا طلب العامل ذلك .
ويكون قرار اللجنة فى هذه الحالة واجب النفاذ فوراً ولو طلب استئنافه .
وتخصم المبالغ التى يكون العامل قد استوفاها تنفيذاً لقرار اللجنة بوقف التنفيذ من مبلغ التعويض الذى قد يُحكم له به أو من أية مبالغ أخرى مستحقة له لدى صاحب العمل .
وإذا ثبت أن فصل العامل كان بسبب نشاطه النقابى قضت اللجنة بإعادته إلى عمله إذا طلب ذلك .
ويتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص أحكام قانونى المرافعات والإثبات فى المواد المدنية والتجارية " .
وتنص المادة (72) من القانون ذاته على أن :
" يصدر قرار اللجنة بأغلبية أعضائها الحاضرين وفى حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذى منه رئيسها .
ويكون قرار اللجنة مسبباً ويعتبر بمثابة حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ، وذلك بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من قلم كتاب المحكمة الابتدائية المختصة .
ويجوز الطعن فى القرار الصادر من اللجنة أمام المحكمة الاستئنافية المختصة وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية " .
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ، فإنه مردود ذلك أن الثابت من الاطلاع على محضر الجلسة المودع بأوراق الدعوى الماثلة أن الحاضر عن الشركة المدعية قد دفع أمام محكمة استئناف القاهرة بجلسة 12/1/2005 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة (71) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 فى فقرتها الأولى من تشكيل لجان ذات اختصاص قضائى وسقوط المادة (72) من القانون ذاته ، فقررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 14/4/2005 ليقدم الحاضر عن الشركة المدعية دليل الطعن بعدم الدستورية ، وإذ أُقيمت الدعوى الماثلة فى 30/1/2005 خلال الأجل الذى ضربته محكمة الموضوع وبما
لا يجاوز ثلاثة أشهر ، فإن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة يكون قائماً على غير أساس متعيناً رفضه .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع ، ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين : أولهما : أن يقيم المدعى الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به ، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً ، ثانيهما : أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه.
متى كان ما تقدم ، وكانت الشركة المدعية تبغى من دعواها الموضوعية المطروحة على محكمة الاستئناف إلغاء قرار اللجنة الخماسية الصادر بإجابة المدعى عليه الخامس إلى طلباته ، فمن ثم تضحى لها مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن بعدم دستورية نص المادة (71) من قانون العمل الذى نظم تشكيل هذه اللجان على نحو يغلب فيه العنصر الإدارى ، وكذلك نص المادة
(72) من القانون ذاته والذى أسبغ وصف الأحكام على ما تصدره هذه اللجان من قرارات ، إذ إن الفصل فى أمر دستورية هذين النصين – فى ضوء المطاعن الدستورية التى وجهتها الشركة المدعية لهما – سيكون له انعكاس على قضاء محكمة الاستئناف فى الاستئنافين المقامين أمامها .
وحيث إن التنظيم التشريعى الذى أتى به المشرع فى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 والذى يقضى بإسناد ولاية الفصل فى المنازعات العمالية الفردية إلى اللجان المنصوص عليها فى المادة (71) منه دون غيرها ، وأن ما تصدره هذه اللجان من قرارات تعتبر بمثابة أحكام صادرة عن المحاكم الابتدائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليها على ما قضت به المادة (72) من القانون ذاته لم يصبه تعديل جوهرى ينال من بنيان هذه اللجان أو من طبيعة ما تصدره من قرارات بالتعديل الذى أدخله المشرع على النصين المطعون عليهما بالقانون رقم 90 لسنة 2005 سوى ما ورد بالقانون الأخير بالنص فى المادة
(71) على أن يكون انعقاد اللجنة صحيحاً بحضور أغلبية الأعضاء على أن يكون من بينهم القاضيان الممثلان فيها ، وما قضت به المادة (72) من أنه فى حال تعادل الأصوات يرجح الجانب الذى منه رئيسها ، ومن ثم فإن هذه المحكمة ترى التصدى لهذين النصين معدلين بالقانون رقم 90 لسنة 2005 حسماً لأمر دستوريتهما ، وبذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة فى نص المادتين (71) و(72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلين بالقانون رقم 90 لسنة 2005 .
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصين المطعون عليهما مخالفة أحكام المواد 40 و65 و67 و68 و165 و168 من الدستور قولاً منها بأن المشرع استحدث بها لجنة ذات تشكيل مزدوج قضائى وغير قضائى وجعل للعنصر الأخير الغلبة فى التشكيل ومنحها دون غيرها الاختصاص بالفصل فى المنازعات الفردية الناشئة عن قانون العمل وأسبغ على قراراتها وصف الأحكام بالرغم من أن ثلاثة من أعضائها لا تتوافر فيهم الحيدة والاستقلال الواجب توافرهما فى القضاة باعتبارهما ضمانتين لازمتين للفصل فى المنازعات فضلاً عن أنه لا يجوز التذرع بطبيعة المنازعة العمالية وما تتطلبه من سرعة الفصل فيها لمخالفة أحكام الدستور التى جعلت ولاية القضاء للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها باعتبار أن القضاة – على ما نص عليه الدستور – مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون كما لا يجوز لأية سلطة التدخل فى شئون العدالة.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محدداً بقانون ، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى الذى يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاءة والحيدة والاستقلال ، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل فى خصومة بقرارات حاسمة ، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها والتى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفاً ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية مبلوراً لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها .
وحيث إن من المقرر أن استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاضٍ لوقائع النزاع ، وفهمه لحكم القانون بشأنها ، متحرراًَ من كل قيد ،
أو تأثير ، أو إغواء ، أو وعيد ، أو تدخل ، أو ضغوط أياً كان نوعها أو مداها أو مصدرها ، وكان مما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية .
وحيث إن استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة وإن كفلتهما المادتان 165 و 168 من الدستور ، توقياً لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق ، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون . وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضى ، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة ، وهو أمر يقع غالباً إذا فصل القاضى فى نزاع سبق أن أبدى فيه رأياً ، ومن ثم تكون حيدة القاضى شرطاً لازماً دستورياً لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون .
وحيث إن ضمانة المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور بنص المادة
(76) منه تعنى أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها – ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية – وأن تقوم على الفصل فيها محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون ، يتمكن الخصم فى إطارها من إيضاح دعواه ، وعرض آرائها والرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حُججهم على ضوء فرص يتكافئون فيها جميعاً ، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها ، وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملاً محدِّداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة .
وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة (68) من ان لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية ، وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق فى محتواه المقرر دستورياً بما لا يجوز معه مباشرته على فئة دون أخرى ، أو إجازته فى حالة بذاتها دون سواها ، كما أن هذا الحق باعتباره من الحقوق العامة التى كفل الدستور بنص المادة (40) المساواة بين المواطنين فيها ، لا يجوز حرمان طائفة منهم من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام منازعة فى حق من الحقوق – وإلا كان ذلك إهداراً لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من الحق ذاته .
وحيث إن النصين المطعون عليهما يخالفان أحكام الدستور من أوجه عدة أولها : أن اللجنة التى أنشأها المشرع وعهد إليها ولاية الفصل فى المنازعات الفردية التى قد تنشأ بين العامل ورب العمل هى لجنة يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى فهى تتكون من قاضيين وثلاثة أعضاء أحدهما مدير مديرية القوى العاملة المختص أو من ينيبه ، والثانى ممثل عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ، والثالث ممثل عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية ، وأعضاء اللجنة من غير القضاة لا يتوافر فى شأنهم – فى الأغلب الأعم – شرط التأهيل القانونى الذى يمكنهم من تحقيق دفاع الخصوم وتقدير أدلتهم ، وبفرض توافر هذا الشرط فى أحدهم أو فيهم جميعاً ، فإنهم يفتقدون لضمانتى الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما فى القاضى ، فضلاً عن أن مدير مديرية القوى العاملة المختص بحسبانه رئيس الجهة الإدارية التى تتولى تسوية النزاع ودياً قبل عرضه على تلك اللجنة ، يكون قد اتصل بالنزاع وأبدى فيه رأياً ومن ثم فلا يجوز له أن يجلس فى مجلس القضاء بعد ذلك للفصل فى النزاع ذاته ، وثانيها : أن القرارات التى تصدر من هذه اللجان لا يمكن وصفها بالأحكام القضائية – حتى وإن أسبغ عليها المشرع هذا الوصف – ذلك أن الأحكام القضائية لا تصدر إلا من المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، وهذه اللجنة – وكما سبق القول – هى لجنة إدارية ، ومن ثم فإن ما يصدر عنها لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً ، وليست له من صفة الأحكام القضائية شئ ، ولا ينال من ذلك ما نصت عليه المادة (71) المطعون عليها من اشتراط وجود قاضيين كى يكون انعقاد اللجنة صحيحاً ، ذلك أنه بافتراض وجود هذين القاضيين وحضور الأعضاء الثلاثة الباقيين يمكن أن يصدر القرار بالأغلبية ، والأغلبية ، فى هذه الحالة للعنصر الإدارى ، ومن ثم فلا يمكن أن يوصف القرار الصادر منها بأنه حكم أو قرار قضائى . وثالثها : أن نص المادة (72) المطعون فيه وإن اعتبر القرار الصادر من هذه اللجنة بمثابة حكم صادر من المحكمة الابتدائية يُطعن عليه أمام محكمة الاستئناف وهو وصف جاوز به المشرع الحقيقة لأن ما يصدر عن هذه اللجنة بحسبانها لجنة إدارية لا يعدو أن يكون قراراً إدارياًَ ، إلا أن الطعن على هذه القرارات أمام محكمة الاستئناف وعلى ما يقضى به النص ذاته يتم وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الذى لا يجيز الطعن فى الأحكام الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى من محاكم الدرجة الأولى فى بعض الحالات مما يجعل هذه القرارات عندئذ غير قابلة للطعن عليها قضائياً الأمر الذى يخالف المادة (68) من الدستور التى تحظر النص على تحصين أى قرار إدارى من رقابة القضاء .
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن النصين المطعون عليهما يكونان قد خالفا أحكام المواد (40) و (64) و (65) و (68) و (165) من الدستور ، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستوريتهما يكون متعيناً .
وحيث إن المادة (70) من القانون ذاته تنص على أنه " إذا نشأ نزاع فردى فى شأن تطبيق أحكام هذا القانون جاز لكل من العامل وصاحب العمل أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ النزاع تسويته ودياً ، فإذا لم تتم التسوية فى موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلى اللجنة القضائية المشار إليها فى المادة (71) من هذا القانون فى موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماً من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على اللجنة ، ولأى منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه " .
وحيث إن القضاء بعدم دستورية المادتين (71) و (72) من القانون ذاته بما تضمنتاه من تشكيل اللجنة والطعن على قراراتها يستتبع بحكم اللزوم سقوط الأحكام المتصلة بهما ، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بسقوط العبارة الواردة بنص المادة (70) من القانون ذاته والتى تبدأ ب " فإذا لم تتم التسوية ودياً " إلى آخر نص المادة المذكورة ، وكذلك سقوط قرار وزير العدل رقم (3539) لسنة 2003 بتشكيل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة أولاً : بعدم دستورية نص المادتين (71) و (72) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلاً بالقانون رقم 90 لسنة 2005 .
ثانياً : بسقوط العبارة الواردة بالمادة (70) من القانون ذاته والتى تنص على أن " فإذا لم تتم التسوية فى موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلى اللجنة القضائية المشار إليها فى المادة (71) من هذا القانون فى موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماً من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه فى عرض الأمر على اللجنة ، ولأى منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه " .
ثالثاً : سقوط قرار وزير العدل رقم (3539) لسنة 2003 بتشكل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
رابعاً : إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .