منتديات الخطيب



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الخطيب

منتديات الخطيب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الخطيب

منتديات الخطيب القانونية


    التوحيد القانوني للجرائم المتعددة وأثره على الجرائم الأخف

    مدحت الخطيب
    مدحت الخطيب
    خدام المنتدى
    خدام المنتدى


    ذكر
    العمر : 58
    Emploi : محامى
    تاريخ التسجيل : 03/07/2007

    التوحيد القانوني للجرائم المتعددة وأثره على الجرائم الأخف Empty التوحيد القانوني للجرائم المتعددة وأثره على الجرائم الأخف

    مُساهمة من طرف مدحت الخطيب الثلاثاء أكتوبر 09, 2007 1:07 am

    جعل المشرع المصري للتوحيد القانوني للجرائم المتعددة أثراً قانونياً بالنسبة للعقوبة الأصلية واجبة التطبيق ، وقصر التوحيد القانوني على عنصر التجريم دون العقوبة ، فقام بتوحيد الجرائم المتعددة الناجمة عن سلوك الفاعل ، لكنه لم يُوَحِّد هذه العقوبات في عقوبة واحدة فتظل كل جريمة محتفظة بكيانها القانوني ولها عقوبتها المستقلة. فالحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد لا يفقد الجريمة أو الجرائم الأخف فاعليتها على إحداث أثرها القانوني في العقاب الذي يعد قد تحقق بتوقيع العقوبة المقررة للجريمة الأشد [1]. من هنا ، يجب القول بأن الجريمة أو الجرائم الأخف يوقف أثرها العقابي فحسب في حالة الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ، ونتيجة لذلك فإن الجرائم الأخف يمكن الإعتداد بها في تطبيق أحكام العود ورد الاعتبار ، ويجب توقيع عقوبتها إذا طرأ من الأسباب ما يحول دون الحكم بعقوبة الجريمة الأشد كأن يصدر عفو عنها أو يلحقها عذر من الأعذار المعفية من العقاب.

    أولاً : أثر الحكم بعقوبة الجريمة الأشد في أحكام العود:

    قد يُحْكَم على شخص بعقوبة ويصير الحكم باتاً وينفذ عليه كلياً أو جزئياً أو لا ينفذ إطلاقاً ، فلا يُرْدِعُه العقاب أو الإنذار الذي تضمنه هذا الحكم بعقابه ، ثم يرتكب بعد ذلك عدة جرائم ـ دون أن يحكم عليه بحكم بات في إحداها ـ فإنه يُعَدُّ عائداً وتنطبق عليه مواد العود وتعدد الجرائم. ويُجْمِع الفقه والقضاء على إعمال قواعد العود أولاً ثم أحكام التعدد ؛ لأن قواعد التعدد تُغَيِّر في حساب العقوبات التي تنفذ على المتهم ولا يمكن معرفة هذا التغيير إلا بعد معرفة العقوبة المقررة عن كل جريمة بمراعاة كل ما يؤثر في قدرها. ولا خلاف في الفقه على أن الجريمة ذات العقوبة الأشد المحكوم بها في حالة التوحيد القانوني للجرائم المتعددة ـ المنصوص عليها بالمادة (32) عقوبات ـ تعد سابقة في العود نظراً لانصراف حكم الإدانة إليها. لكن دب الخلاف في شأن الجريمة أو الجرائم الأخف الداخلة في تكوين حالة التوحيد القانوني للجرائم [2].

    فذهب جانب من الفقه إلى أن الجريمة الأخف إذا كانت ترتب أثراً معيناً في أحكام العود فإن هذا الأثر يظل باقياً ولو لم يحكم بالعقوبة المقررة لها قانوناً اكتفاء بتوقيع العقوبة المقررة للجريمة الأشد التي لا ترتب أثراً في العود، سواء في ذلك حالتي التوحيد القانوني للجرائم. فيعد الشخص في حالة عود إذا عاد فارتكب في خلال المدة المحددة قانوناً جريمة جديدة مماثلة للجريمة الأخف ـ لا للأشد ـ وكانت العقوبة السابق الحكم بها في الجرائم المرتبطة هي الحبس لمدة أقل من سنة أو الغرامة (م49/3 من قانون العقوبات) [3].

    ويذهب رأي آخر إلى أن الجاني إذا ارتكب فعلاً واحداً حقق أكثر من جريمة وهي الحالة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة 32 عقوبات ، إنما قصد ارتكاب الجريمة الأشد دون غيرها من الجرائم الأخف فلا يعد الجاني مرتكبا للجريمة الأخف ولا تطبق عليه المادة القانونية الخاصة بها ولا تعد بالتالي سابقة في العود [4]. في حين ذهب رأي ثالث إلى أن الفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات ، جرى نصها على وجوب اعتبار الجرائم المرتبطة كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم ، ويترتب على ذلك عدم الاعتداد بالجريمة الأخف كسابقة في العود ؛ لأن حكم الإدانة قاصر فقط على الجريمة الأشد [5] .

    الاعتداد بالجرائم الأخف في تطبيق أحكام العود ورد الإعتبار:

    إن المشرع المصري جانبه التوفيق حين نص على وجوب اعتبار الجرائم كلها جريمة واحدة والحكم فقط بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ؛ ذلك لأن القول باعتبار الجرائم كلها جريمة واحدة يعيبه عدم الدقة ؛ لأن كل جريمة تحتفظ بذاتيتها وكيانها ، فثمة جرائم متعددة. وإغفال الحكم الإشارة إلى العقوبات المقررة للجرائم الأخف ، قد يحمل إلى الظن أن الجاني لم ينزل به جزاء عنها. ولما كانت لكل جريمة عقوبتها فإن في وسع المشرع أن يحقق غرضه في التخفيف على الجاني بالاكتفاء بتوقيع عقوبة أشد الجرائم التي ارتكبها ، بإلزام القاضي بالحكم بالعقوبة المقررة لكل جريمة ثم ينص على تنفيذ العقوبة المقررة للجريمة الأشد [6]. وبالتالي ، يقتصر أثر التوحيد القانوني للجرائم المتعددة على العقوبة واجبة التطبيق ولا يمتد هذا الأثر إلى الأحكام العامة للجريمة ، فتحتفظ كل جريمة من الجرائم المرتبطة بذاتيتها القانونية وفاعلية كل جريمة على إحداث أثرها القانوني في العقاب.

    وعلى ذلك، يعد الحكم بالعقوبة المقررة للحريمة الأشد بمثابة عقوبة على كل الجرائم المرتبطة ، ويكون لكل جريمة نصيب من هذه العقوبة [7]. وبالتالي يعتد بالجريمة أو الجرائم الأخف بها في تطبيق أحكـام العود ، ورد الاعتبار ، وغير ذلك من الآثار المترتبة على الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد، إذ تحكمها عنذئذ القواعد الخاصة بتعدد الجرائم ؛ ذلك لأن تعدد الجرائم يستقل عن المشكلة الخاصة باختيار العقوبة واجبة التطبيق[8]. فوحدة الجريمة أو تعددها يتعلق بالنظرية العامة للجريمة ، بينما وحدة العقوبة أو تعددها يتعلق بنظرية العقوبة. ومن هنا ، فإن تطبيق عقوبة الجريمة الأشد في أحوال التوحيد القانوني للجرائم لا ينفي أن هناك تعدداً في الجرائم المستوجبة كل منها العقوبة المقررة قانوناً.



    ثانياً: العفو عن الجريمة الأشد أو إعفاءها من العقاب وأثره على الجرائم الأخف:

    تلجأ الدولة إلى الإعفاء الشامل للنزول عن حقها في معاقبة الجاني ، وتلجأ إلى العفو عن العقوبة حين ترى النزول عن حقها في تنفيذ العقوبة فقط. ويترتب على العفو الشامل محو الصفة الإجرامية عن الفعل الجنائي المرتكب ، بينما يعد العفو عن العقوبة وسيلة الدولة التي تختارها لإصلاح بعض الأخطاء القضائية التي لا سبيل لإصلاحها بالطعن في الحكم ، أو لمكافأة من يثبت حسن سلوكه بعد تنفيذ جزء من العقوبة ، وقد تأخذ به الدولة كمظهر من مظاهر الصفح والتسامح إحتفالاً ببعض الأعياد القومية.

    أما الأعذار المعفية من العقاب ويطلق عليها أحياناً "موانع العقاب" فهي تمثل شروطاً معينة يقررها القانون في جرائم خاصة لإعفاء الجاني من العقاب إذا توافرت شروطه الواردة في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة إنطباقاً تاماً مع التسليم بأن فعله يعد جريمة وبأن مسئوليته عن هذه الجريمة قائمة لا شبهة فيها. وتختلف الحكمة التي من أجلها تقرر العذر المعفي من العقاب من جريمة إلى أخرى ، فمثلاً التبليغ عن جريمة الرشوة ، يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقـوبة إذا أخبر أيهما السـلطات بالجـريمة أو إعـترف بهـا ( المادة 107 مكرراً عقوبات).

    وقد يرتكب الجاني عدة جرائم يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة أو تتحقق من خلال ارتكاب فعل واحد يترتب عليه وجود أكثر من جريمة ويقتضي الأمر الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ، ثم يصدر عفو عن الجريمة الأشد أو يلحقها عذر من الأعذار المعفية من العقاب. ويثار التساؤل عما إذا كان هذا العفو أو الإعفاء يقتصر أثره على الجريمة الأشد أم يمتد إلى الجريمة الأخف فيعفى الجاني من العقاب المقرر لها .

    يُجْمِع الفقه على أنه إذا كان العفو أو الإعفاء قد لحق بالجريمة ذات العقوبة الأخف ، فإن أثره يكون قاصراً عليها ؛ لأن المشرع يعتد ـ في مجـال تطبيق نص المـادة (32) عقوبات ـ بالجريمة ذات العقوبة الأشد. أما إذا كان العفو أو الإعفاء قد لحق بالجريمة ذات العقوبة الأشد، فإن الفقه اختلف حول مدى امتداد ذلك إلى الجريمة أو الجرائم الأخف. فيذهب البعض إلى أن العفو أو الإعفاء الذي لحق بالجريمة ذات العقوبة الأشد يمتد إلى الجريمة أو الجرائم الأخف ، إذ يكون من غير الجائز مؤاخذة الجاني عن الجريمة الأخف التي تنصهر في الجريمة الأشد التي شملها الإعفاء ؛ لأن الجاني في الحالة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة (32) يرتكب جريمة واحدة هي تلك التي تمخض عنها الوصف الأشد ، أما في الحالة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة (32) عقوبات ، فإن القانون يجعل الجاني مسئولاً عن جريمة واحدة هي الجريمة ذات العقوبة الأشد [9] .

    ويتجه رأي آخر إلى القول بأن لكل جريمة من الجرائم الداخلة في تكوين التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذاتيتها ولا تفقد كيـانها بسبب الارتباط ، وبالتالي فإن كل واحدة منها تنتج آثاراً جنائية يتعين الاعتداد بها بحيث إذا تقرر إعفاء الجاني من العقاب المقرر للجريمة الأشد ، فإن هذا العفو لا ينسحب إلى ما هو مقرر من عقاب عن الجريمة الأخف ، والقول بغير ذلك يعني أن الجاني الذي ارتكب جريمة واحدة يعد أفضل حالاً من ذلك الذي يرتكب جريمتين [10]. وكذلك الحال بالنسبة للتعدد الظاهري للجرائم ، فإذا صدر عفو أو توافر أحد الأعذار المعفية من العقاب بالنسبة للوصف الأشد ، فإن ذلك لا يؤثر في قيام مسئولية الجاني عن الوصف الأخف [11] .

    أما محكمة النقض المصرية ، فلم تتخذ منهجاً محدداً في معالجة هذه المسألة ، فهي تارة تقول بأن الإعفاء من العقاب عن الجـريمة الأشد ، يترتب عليه عدم توقيع عقوبة الجريمة ذات العقوبة الأخف. وفي تبرير ذلك قالت ، بأن امتناع العقاب عن الجريمة الأشد لقيام موجب الإعفـاء منها ، يقتضي عدم توقيع العقوبة عن الجريمة الأخف المرتبطة بها ؛ لأن موانع العقاب تفترض ارتكاب الجريمة وقيام مسئولية مرتكبها عنها ، لكنه يحول دون أن ترتب المسئولية نتيجتها الطبيعية وهي توقيع العقوبة. فإذا توافر الإعفاء فإن القاضي يطبق الأثر الموضوعي المنصوص عليه بالمادة (32) عقوبات ، وهو توقـيع العقـوبة المقـررة للجـريمة الأشـد ـ الأصلية والتكميلية ـ ثم بعد ذلك يترتب أثر الإعفاء من العقاب وهو القضاء بالبراءة [12].

    وتارة أخرى تقصر أثر الإعفاء من العقاب الذي يلحق الجريمة الأشد على هذه الجريمة دون أن يمتد أثره إلى الجرائم الأخف المرتبطة بها ، فقضت في حكم من أحدث أحكامها طبقت فيه القانون تطبيقاً صحيحاً بأنه : " إن مناط الارتباط في حكم المادة (32) من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب ؛ لأن تماسك الجريمة المرتبطة وإنضمامها بقوة الإرتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يسلب المحكمة حقها في التصدي لباقي الجرائم المرتبطة وأن تنزل العقوبة المقررة لها متى توافر أركانها وثبوتها قبل المتهم ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى إدانة المطعون ضده الثاني بجريمتي الرشوة والإشتراك في الإختلاس وأعفاه من العقاب عن الجريمة الأولى إعمالاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ولم يوقع عليه عقوبة الجريمة الثانية الأخف بدعوى ارتباطها بالجريمة الأولى ذات العقوبة الأشد ارتباطاً لا يقبل التجزئة مع أن قضائه بإعفاء المطعون ضده المذكور من العقاب عن جريمة الرشوة يمتنع معه عليه تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات ويستتبع حتماً توقيع عقوبة جريمة الإشتراك في الإختلاس التي أثبت الحكم وقوعها منه ودلل عليها..." [13].

    وجدير بالذكر أن هذا الحكم ليس فريداً ، فقد سبق لمحكمة النقض أن أخذت من قبل بالمبدأ الذي يقصر أثر الإعفاء من العقاب على الجريمة التي لحقها الأعفاء دون أن يمتد إلى غيرها من الجرائم

    المرتبطة بها ، فقضت بأنه إذا كان المشرع يعفي من العقاب عن أحد الأوصاف فإن هذا لا يمنع من العقاب عن الوصف الآخر ، فمن تخفي الأدلة عن الجريمة المسندة إلى زوجها وهي المخدرات فإن فعلها يتضمن فضلاً عن جـريمة إخفاء الدليل المعفـاه من العقاب ، جـريمة إحراز المخدرات وهذه الأخيرة لا إعفاء فيها في هذه الحالة [14]. ويبنى على ذلك أنه ، إذا أخفت امرأة عدداً من الجناة الفارين من وجه العدالة وكان زوجها من بين هؤلاء الجناة ، فإنها بسلوك واحد تكون قد ارتكبت الجنايات والجنح المنصوص عليها بالمادة (144) عقوبات ، ففي هذه الحالة إذا تقرر إعفاء الزوجة من عقوبة الجريمة الأشد بالنسبة لإخفاء زوجها عملاً بالفقرة الأخيرة من هذه المادة ، فإن هذا الإعفاء لا يسري على غير زوجها من المجرمين الذين قامت بإخفائهم ، فتعاقب بعقوبة الجريمة التالية في الشدة لعقوبة الجريمة التي أعفيت منها.

    ثم عادت مرة أخرى لتأخذ ـ دون سند من القانون ـ بإمتداد أثر الإعفاء من العقاب الذي لحق الجريمة الأشد ليشمل الجرائم الأخف المـرتبطة بها ، فقضت بأنه :" من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية ، بل هو مقرر لمصلحة الجاني التي تحققت في فعله وفي شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب ، كل ما للعذر المعفي من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجاني بعد إستقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة في ذاتها ، وإذ كان مناط الارتباط في حكم الفقـرة الثانية من المـادة (32) من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض في إحداها بالبراءة ، وإذ كانت المحكمة قد إنتهت إلى توافر الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين جريمتي الرشوة ودمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي جريمة الرشوة ، فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع المتهم عن تحقق موجب الإعفاء في جريمة الرشوة امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهي جريمة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة " [15].



    _________________
    سبحانك اللهم وبحمد
    نشهد ان لا اله الا انت
    نستغفرك ونتوب اليك
    مدحت الخطيب
    مدحت الخطيب
    خدام المنتدى
    خدام المنتدى


    ذكر
    العمر : 58
    Emploi : محامى
    تاريخ التسجيل : 03/07/2007

    التوحيد القانوني للجرائم المتعددة وأثره على الجرائم الأخف Empty رد: التوحيد القانوني للجرائم المتعددة وأثره على الجرائم الأخف

    مُساهمة من طرف مدحت الخطيب الثلاثاء أكتوبر 09, 2007 1:09 am

    والواقع أن ما يتفق وصحيح القانون هو عدم إمتداد أثر إمتناع توقيع العقوبة المقررة للجريمة الأشد بسبب مالحقها من موجب الإعفاء من العقاب إلى سائر الجرائم الأخرى الأخف المرتبطة بها ، ولا يقتضي الحكم في هذه الأخيرة بالبراءة ؛ لأن الأصل هو توقيع عقوبة عن كل جريمة يرتكبها الجاني ، وأخذ المشرع الجنائي بنظام الجب إنما هو إستثناء من هذا الأصل أراد به تقليص حالتي المادة 32 عقوبات من الخضوع للنظام الذي يقضي بتعدد العقوبات إذا تعددت الجرائم تعددا حقيقياً ، بأن يقتصر القاضي على النطق بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد الجرائم المرتبطة. ولا خلاف في الفقه على أن الجب مشروط بأن يقضى على الجاني بعقوبة الجريمة الأشد ، فإذا طرأ من الأسباب ما يحول دون ذلك وجب الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة التالية في الشدة.

    ويوافق هذا الرأي ما استقر عليه قضاء محكمة النقض وعبرت عنه بقولها :" إن مناط الارتباط في حـكم المـادة (32) من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب ؛ لأن تماسك الجريمة المرتبطة وإنضمامها بقوة الإرتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً. وبالتالي فلا محل لإعمال حكم المادة (32) من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة في إحدى التهم أو سقوطها أو إنقضائها ، فمجال البحث في الارتباط إنما يكون عند قيام المسئولية الجنائية عن الجرائم المرتبطة"[16].

    والواقع أن قول محكمة النقض بأن على القاضي تطبيق العقوبة المقررة للجريمة الأشد إذا توافرت فيها شروط الإعفاء من العقاب ثم يرتب بعد ذلك حكم الإعفاء من العقاب وهو القضاء بالبراءة لا يصلح سنداً للحكم ؛ لإفتقاره إلى السند القانوني الذي يقوم عليه ، ويتناقض في الوقت نفسه مع المستقر عليه في قضاء محكمة النقض من أن الارتباط الذي تتأثر به المسئولية عن الجريمة الصغرى طبقاً للمادة (32) عقوبات إنما ينظر إليه عند الحكم بالعقوبة دون البراءة التي لا تسلب المحكمة حقها في النظر في باقي الجرائم المرتبطة وأن تنزل العقاب المقرر لها متى رأت توافر أركانها وثبوتها قبل المتهم [17].

    وينبغي أن لا نغض البصر عن أنه لايوجد ما يبرر أن تخص محكمة النقض جريمة بالإعفاء من العقاب ـ لا تندرج تحت حالات الإعفاء من العقاب التي أوردها المشرع على سبيل الحصر ـ بلا نص من القانون . فلا إعفاء من العقوبة بغير نص من القانون ؛ لأن موانع العقاب وردت في القانون على سبيل الحصر والإستثناء ، وعلى ذلك ، لا يجوز للقاضي أن يعفي من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة إنطباقاً تاماً سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير الإعفاء [18]. مفاد ذلك ، أن الإعفاء من العقوبة هو أمر إستثنائي لا يجد سنده التشريعي إلا في الجرائم التي خصها القانون بالإعفاء من العقاب ، دون غيرها من الجرائم الأخرى التي قد ترتبط بها ولم يخصها المشرع بعذر معفي من العقاب.

    ومما تقدم يبدو جلياً أن الرأي القائل بمد أثر الإعفاء من العقاب الذي يلحق بالجريمة الأشد إلى سائر الجرائم الأخرى الأخف ينطلق من قاعدة غير سليمة بقوله أن القانون يجعل الجاني في الحالتين المنصوص عليهما بالمادة 32 عقوبات مسئولاً عن جريمة واحدة هي الجريمة الأشد ؛ فلا أساس لهذه من القانون ، فلم تصرح المادة (32) عقوبات ـ في فقرتيها الأولى أو الثانية ـ باستبعاد النصوص التي تُعَاقِب على الجرائم الأخرى ، كما أنها لم تُنْفِ وقوع هذه الجرائم وكل ما صرحت به هو وجوب الاعتداد في مقام العقاب بالجريمة الأشد والحكم بعقوبتها وحدها ، فالاستبعاد ينصب إذن على العقوبات المقررة للجرائم الأخف.

    كما أن في القول بأن يطبق القاضي الأثر الموضوعي المنصوص عليه بالمادة (32) عقوبات ـ وهو توقـيع العقـوبة المقـررة للجـريمة الأشـد الأصلية والتكميلية ـ ثم بعد ذلك يترتب أثر الإعفاء من العقاب وهو القضاء بالبراءة في الجريمة الأشد التي تتوافر فيها شروط الإعفاء والجرائم الأخف التي لا تتمتع به ، ينفي عن الحالتين المنصوص عليهما بالمادة 32 عقوبات أنهما حالة تعدد جرائم ويسبغ عليها صفة الجريمة الواحدة التي تخالف الواقع الذي نحن بصدده وهو أننا بصدد حالة تعدد جرائم. لذلك ، فإن تقرير المشرع الإعفاء من العقاب عن إحدى الجرائم ، لا يمنع من العقاب عن الجريمة أو الجرائم الأخرى الأخف. ولا يحول ذلك دون الاعتراف بالوجود القانوني للجريمة أو الجرائم الأخف ، وأن يكون الجاني مسئولاً عن ارتكابها ويتحمل كافة تبعاتها الأخرى من تعويض مدني والعفو عن الجريمة والعود وقواعد رد الاعتبار.

    والقول بغير ذلك ، يعني أن مرتكب عدة جرائم أفضل حالاً ممن يرتكب جريمة واحدة ، فيفلت الأول من العقاب عن كل جرائمه إذا امتنع عقابه عن أشدها ، في حين يُعَاقَب الثاني عن جريمة واحدة ارتكبها وقد تكون مماثلة لإحدى الجرائم الأخف التي ارتكبها الأول وأفلت من العقوبة المقررة لها. ويبلغ الشذوذ مداه إذا افترضنا أن الثاني كان شريكاً للأول في جريمة من جرائمه الأخف ، فمنطق الرأي المخالف يؤدي إما للقول بامتناع عقاب الاثنين معاً أو يعاقب الثاني دون الأول وكلاهما ظاهر الشذوذ [19].

    ويبدو أن ما ثار في الفقه من خلاف وما شاب أحكام محكمة النقض من إضطراب حيال تحديد أثر الإعفاء من العقاب الذي تحقق موجبه في الجريمة الأشد من بين الجرائم المرتبطة ، يجد تعليله في أن المشرع المصري لم يحالفه التوفيق حين نص على وجوب اعتبار الجرائم كلها جريمة واحدة والحكم فقط بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ؛ ذلك لأن القول باعتبار الجرائم كلها جريمة واحدة يعيبه عدم الدقة ، فكل جريمة تحتفظ بذاتيتها وكيانها. وإغفال الحكم الإشارة إلى العقوبات المقررة للجرائم الأخف ، قد يحمل إلى الظن أن الجاني لم ينزل به جزاء عنها.

    ولما كانت لكل جريمة عقوبتها فإن في وسع المشرع أن يحقق غرضه في التخفيف على الجاني بالاكتفاء بتوقيع عقوبة أشد الجرائم التي ارتكبها ، بإلزام القاضي بالحكم بالعقوبة المقررة لكل جريمة ثم ينص على تنفيذ العقوبة المقررة للجريمة الأشد [20]. فثمة جرائم متعددة ، لا تفقد كيانها ولا يمتنع العقاب عليها بالحكم بالعقوبة المقررة لأشد الجرائم المرتكبة ، وإنما يُعد العقاب عليها متحققاً بتوقيع العقوبة الأشد التي تعد بمثابة عقوبة على كل الجرائم المرتبطة ، ويكون لكل جريمة نصيب من هذه العقوبة [21]. لذلك فإن الأمر في حاجة إلى تدخل تشريعي لتقويم صياغة نص المادة 32 عقوبات ؛ ليبدد مايخيم عليه من غموض ويكون من الوضوح الذي يتفق ومبدأ الشرعية.



    [1] دكتور/ رءوف عبيد،مبادئ القسم العام من التشريع العقاب، ص754

    [2] دكتور / محمد محي الدين عوض ، القانون الجنائي ، مبادئه الأساسية ونظرياته العامة ، ص 729 ، رقم 768.

    [3] دكتور/ رءوف عبيد ، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي ، دار الفكر العربي ، 1979 ، ص 754 .

    [4] دكتور/ على حسين الخلف ، تعدد الجرائم وأثره في العقاب المقارن ، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1954 ، ص 141 .

    [5] دكتور/ أمين عبده دهمش ، تعدد الجرائم في التشريع الوضعي المقارن بالفقه الإسلامي ، رسالة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، 2001 ، ص 302 .

    [6] دكتور / محمود نجيب حسني ، قوة الحكم الجنائي في إنهاء الدعوى الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1979 ، رقم 83 ، ص213 ، هامش رقم (3) .

    [7] وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن : " تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقـدها كيانها ولا يحول دون تصـدى المحكمـة لها والتدليل على نسبتها للمتهـم ثبوتا ونفياً ... ". نقض جنائي ، جلسة 4/1/1994 ، مجموعة أحكام النقض ، س45 ، ص56 ، رقم5 .

    [8] يتعين في حالة رد الاعتبار مراعاة استيفاء الجرائم الأخف الشروط اللازم توافرها لرد الاعتبار كأثر مترتب على الحكم الصادر بعقوبة الجريمة الأشد ؛ ذلك لأن أثر الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ينصرف إلى كافة الجرائم المرتبطة ، ويكون لكل جريمة من الجرائم الأخف نصيب من هذه العقوبة .

    [9] دكتور/محمود مصطفى،شرح قانون العقوبات،القسم العام ،ص 634،648،رقم 446، 454.

    [10] دكتور / عوض محمد ، قانون العقوبات ، القسم العام ، ص 711 ، رقم 552.

    [11] دكتور / عبد الأحد جمال الدين ، وحدة الجريمة وتعددها ، ص 463.

    [12] قضت محكمة النقض بأنه : " ... وإذا امتنع على المحكمة – بعد أن اطمأنت إلى إدانته – لما ارتأته من قيام موجب الإعفاء منها ، فقد كان لزاماً عليها ألا الحكم عليه بعقوبة الجريمة الأخف ( التهريب الجمركي ) المرتبطة بالجريمة الأولى ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وعاقب المطعون ضده الأول بعقوبة جريمة التهريب الجمركي بعد أن دانه بالعقوبة الأشد وإن أعفاه من العقاب عنها ، فإنه قد يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ...". نقض جنـائي ، جلسـة 13 / 3 / 1985 ، مجموعة أحكام النقض ، س 36 ، ص371 ، رقم 64. ونقض جنائي ، جلسة 22 / 4 / 1991 ، مجموعة أحكام النقض ، س 42 ، ص 662، رقم 96.

    [13] نقض جنائي ، جلسة 2/2/2003 ، الطعن رقم 32866 السنة 72 قضائية . غير منشور.

    [14] قضت محكمة النقض المصرية بأنه : " إذا ضبطت الزوجة محرزة مادة مخدرة ، فإن القضـاء بإدانتها يكون صحيحاً لتوافـر أركان الـجريمة في حقها . ولا عبرة بعد ذلك بأن يكون الإحـراز طارئاً أو غـير طـارئ ولا بالقول بأن الزوجة كانت لا تستطيع الخروج عن طاعة زوجها الذي= =بادر بتسليمها المخدر عند رؤيته رجال البوليس وكذلك لا تستفيد الزوجة من نص قانون العقوبات في المادة 145 على إعفائها من العقاب إن هي أخفت أدلة الجريمة التي ارتكبها زوجها لأن هذا الإعفاء يقتضي أن يكون عمل الزوجة غير منطو على جريمة فرض القانون عقاب على ارتكابها ". نقض جنائي ، جلسة 14/11/1955 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج1 ، ص 282 ، رقم 684. ونقض جنائي ، جلسة 7/1/1957 ، مجموعة أحكام النقض ، س 8 ، ص 4 ، رقم 2.

    [15] نقض جنائي ، جلسة 23/4/2003 ، الطعن رقم 30639 السنة 72 قضائية . غير منشور .

    [16] نقض جنائي ، جلسة 4 / 1 / 1994 ، مجموعة أحكام النقض ، س 45 ، ص 56 ، رقم 5.

    [17] نقض جنائي، جلسة 20 / 12 / 1984 ،مجموعة أحكام النقض، س 35 ، ص 928 ،رقم 206.

    [18] نقض جنائي، جلسة 17 / 11 / 1969 ،مجموعة أحكام النقض،س 20 ، ص 1307، رقم265.

    [19] دكتور / عوض محمد ، قانون العقوبات ، القسم العام ، ص 711.

    [20] دكتور / محمود نجيب حسني ، قوة الحكم الجنائي في إنهاء الدعوى الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1979 ، رقم 83 ، ص213 ، هامش رقم (3) .

    [21] دكتور / مأمون سلامة ، الجرائم المرتبطة ، ص965. ودكتور / محمود نجيب حسني ، قوة الحكم الجنائي ، ص213 ، هامش رقم (3) ، ص214.



    بقلم د/ عصام احمد غريب


    _________________
    سبحانك اللهم وبحمد
    نشهد ان لا اله الا انت
    نستغفرك ونتوب اليك

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 5:19 pm