محكمة استئناف القاهرة
الاستئناف رقم 778 لسنة 1978 قضائية
جلسة 25/6/1963
حيث إن وقائع الدعوى الابتدائية تجمل في أن الدكتور احمد رشاد والسيدة وجيدة محمد بيومى أقاماها بعريضة معلنة في الثالث والعشرين من نوفمبر سنة 1959 طلبا في ختامها إلزام السيد / مدير عام شركة الخطوط الجوية الهولاندية الملكية بصفته بأن يدفع لهما مبلغ عشرين ألف جنيه مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماه وقالا شرحا لدعواهما إنه في يوم 13 اغسطس سنة 1958 استقل ولدهما المرحوم مهندس حسن احمد رشاد أحد أبطال الجمهورية العربية المتحدة في المبارزة طائرة من طائرات الشركة المدعى عليها لتنقله إلى نيويورك وفى صحبته سائر أعضاء الفريق الذى كان سيشترك معه باسم الجمهورية في المباراة الدولية للمبارزة بالسلاح في الولايات المتحدة الأمريكية وإذ وصل الفريق إلى امستردام ولم تجد له الشركة محلا في الطائرة النظامية المعدة للسفر إلى نيويورك مما اضطرها الى تسيير طائرة إضافية حملت الفريق من مطار امستردام متجهة إلى ايرلندة في طريقها إلى نيويورك فوصلت صباح يوم 14 اغسطس سنة 1958 مطار شانون بايرلندا حيث صعد اليها ستة ركاب جدد فأصبح مجموع ركابها واحدا وتسعين راكبا بالاضافة إلى عمال الطائرة وعددهم ثمانية وما أن تزودت الطائرة بكل ما يلزمها من الوقود أرسل إليها المستر جيمس جوجن هام مراقب مطار شانون إشارة بطريق الراديو يأذن لها بالرحيل فانطلقت الطائرة إلى الفضاء وكان ذلك في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة صباحا - وفى الساعة الرابعة والدقيقة الأربعين كانت الطائرة قد اختفت عن الانظار وردت منها إشارة بطريق الراديو إلى مطار شانون تتضمن أنها على بعد 120 ميلا بحريا عن شانون وعلى ارتفاع اثنى عشر ألف قدم من سطح البحر وأنها بسبيل العلو إلى ارتفاع ستة عشر ألف قدم وقد كلف المستر جوجن هام الطائرة بأن تنقل رسالة منه إلى طائرة أخرى لم يكن من الميسور أن يتصل بها راديو برج المراقبة بمطار شانون وقامت الطائرة بتبليغ هذه الرسالة وشكرها مراقب مطار شانون على ذلك وكانت الساعة الرابعة والدقيقة الثانية والأربعين حين انتهى هذا الاتصال - ولما كان النظام يقضى بأن ترسل الطائرة إلى المطار إشارة أخرى بطريق الراديو في الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحا إلا أنها لم ترسل شيئا وقد اتضح بعد ذلك من البحث عن الطائرة أنها سقطت في أعماق المحيط وغرق جميع ركابها وملاحيها وانتشلت جثث أربع وثلاثين من الركاب دون أن يعثر على جثث الباقين واستطرد المدعى قائلا في عريضة دعواه إن الاخصائيين قد ذهبوا في تفسير الحادث مذهبين نشرتهما مجلة فرنسية بعد أن روت تفاصيل الحادث على النحو المذكور آنفا بعدد 1958/8/30 فقالت إن هناك من قرر أن سبب الحادث تجمد ماعساه قد اختلط بوقود الطائرة من بخار ماء تبعا لانخفاض درجة الحرارة في الجو الذى كانت تعبره الطائرة ووقوف الماء المتجمد حائلا دون امداد آلات الطائرة بالوقود الأمر الذى أخل بسير الآلات فتوقفت فجأة وهوت الطائرة إلى المحيط - وهناك رأى بنى على حقيقة واقعة هى أن الجهاز الضابط لسير محركات الطائرة لم يكن محكما لجميع الطائرات المنتمية إلى نوع الطائرة التى سقطت وأنه سبق أن كان محل اختبار وإصلاح ومدى هذا الرأى أنه من المحتمل أن يكون ذلك الجهاز قد انقطع عن (عمل)ه فترتب على ذلك توقف في محركات الطائرة أدى إلى سقوطها وأضاف المدعى أنه قد ثبت من وقائع الحادث أن الطائرة المنكوبة لم تذع استغاثة واحدة مما يقطع بأن راديو الطائرة كان معطلا وهو الأمر الذى شهد به المستر جوجن هام مراقب مطار شانون الذى نشرته جريدة الديلى ميل في عددها يوم الثلاثاء 1958/8/19 تحت عنوان ( التحقيق يرجع حادث الطيران إلى خلل الراديو ) وانتهى المدعى في شرح الدعوى إلى أن الشركة المدعى عليها قد اخطأت خطأ جسيما بتسييرها طائرة في ظروف جوية سيئة أعلنتها جريدة التبو الايطالية الصادرة فى 1958/8/15 إذ كتبت أن قائد الطائرة المنكوبة صرح للمكتب الفنى بمطار شانون على إثر مرساه في هذا المطار بأن الظروف الجوية التى أحاطت بالطائرة فيما قطعته من الرحلة كانت سيئة وأنه من المنتظر أن يعترضها في المسافة الباقية من رحلتها الطويلة إلى نيويورك ظروف جوية معاكسة - وهكذا توافر لدى القائمين على أمر الطائرة من تابعى الشركة المدعى عليها علم تام بما لابس رحلتها وبما سيحيط بهذه الرحلة من عوامل جوية معاكسة وأصروا مع ذلك على استخدامهم الطائرة وما فيها من عيب في الجهاز الضابط للمحركات ومع ما فيها كذلك من خلل في جهاز الراديو . ولما كانت اتفاقية فارسوفيا المعقودة في 12 اكتوبر سنة 1929 هى التى تحكم عقد النقل الجوى الحاصل بين المدعيين والشركة المدعى عليها وكانت المادة 25 منها تجعل التعويض المستحق غير مقيد بأى قيد عند ثبوت خطأ جسيم في حق الشركة ولما كان المدعيان هما والدا الفقيد الدكتور حسن احمد رشاد الذى توفى في الحادث ويحق لهما المطالبة بتعويض عن وفاة ابنهما في الحادث كما أن المدعيين قد لحق بهما شخصيا ضرر جسيم من وفاة إبنهما إذ حرما من المساعدة المادية والمؤازرة المعنوية التى كان إبنهما يمدهما بها لو عاش كما أصابهما شعور بالوحشة والألم إذ انقطع الوصل بينهما وبين من كان في الحياة امتدادا لشخصهما فضلا عما كان لإبنهما من شأن خاص تتضاعف بقدرة الخسارة مما يرى معه أن أقل مبلغ يعوض لهما ما أصابهما من ضرر وما فاتهما من كسب هو عشرون ألف جنيه طلبا إلزام الشركة المدعى عليها بهذا المبلغ مع كافة المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة .
ومن حيث إن الحاضر عن الشركة المدعى عليها رد على ما قاله المدعيان بأن استنادهما إلى بعض المقالات الصحفية لا يصلح أساسا للدعوى إذ هذه المقالات إن لم تكن قد خلت من تحرى الدقة فهى تنطبع بطابع الإثارة وتستهدف السبق الصحفى في أغلب الأحيان وأن التحقيقات الابتدائية التى تمت عن الحادث لم تنته الى نتيجة حاسمة في الدعوى وأضاف في دفاعة أنه يسلم بتطبيق معاهدة فارسوفيا في حدود ما تقضى به المادة 22 من الاتفاقية أى حدود إلزامها بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه عن كل راكب وهو ما عرضت دفعة أمام محكمة أول درجة .
ومن حيث إن تلك المحكمة قضت بتاريخ 27 من مارس سنة 1961 حضوريا بالزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للمدعيين مبلغ 8000 جنيه والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأسست قضاءها في ذلك على توافر أحكام المادة 25 من اتفاقية فارسوفيا التى تقضى بعدم إلتزام الحدود المقيدة لمسئولية الناقل طبقا للمادة 22 من الاتفاقية إذا ثبت في حق الناقل أو تابعة خطأ جسيم شبيه بالغش أو كما عبر عنه بروتوكول لاهاى برعونة مقترنه بادراك أن ضررا ماقد يترتب عليها وقالت محكمة أول درجة إن الخطأ الجسيم ثابت في حق الشركة المدعى عليها مما جاء بالخطاب المؤرخ 20 من ابريل سنة 1960 الصادر من الشركة المدعى عليها بأمريكا إلى السيد محمود رياض والذى احتوى تقريرا بخلاصة التحقيق الذى قامت به الهيئة الهولاندية لتحقيق حوادث الطيران إذ أن هذا التقرير يسجل وجود عيوب كانت بالطائرة مصدر الحادث قبل أن تحلق في الرحلة التى وقع الحادث اثناءها وهذه العيوب هى (1) وجود عسر في جهاز القيادة الاتوماتيكية عبر عنها التقرير بأنها صعوبات ( 2) عطل في جهاز الراديو المخصص في الطائرة لتلقى الاشارات وإرسالها (3) خلل في عمود المراوح وفى الجهاز الضابط لسير المراوح وهو خطأ شبيه بالغش تصبح به مسئولية الناقل الجوى مطلقة طبقا للمادة 25 من اتفاقية فارسوفيا التى انضمت إليها الجمهورية العربية بمقتضى القانون رقم 593 سنة 1955 .
ومن حيث إن الطرفين لم يرتضيا هذا القضاء فأقام الدكتور احمد رشاد وزوجتة السيدة / وجيدة محمد بيومى الاستئناف رقم 778 سنة 78 ق وطلبا في ختام صحيفته قبوله شكلا وفى الموضوع تعديل الحكم المستأنف وإلزام شركة الطيران الهولندية بأن تدفع لهما تعويضا قدرة عشرون ألف جنيه فضلا عن المصروفات ومقابل اتعاب المحامى واسسا استئنافهما على أن مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا لا يتناسب البته مع ما أصابهما من ضرر بليغ بموت ابنهما الذى كان في عنفوان شبابه ومن أبطال السلاح في الجمهورية العربية المتحدة - كما أقامت شركة الطيران الهولاندية استئنافها رقم 1165 سنة 78 ق وطلبت في ختام صحيفته قبوله شكلا وفى الموضوع أصليا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى واحتياطيا بتحديد التعويض الذى يمنح للورثة جميعا بمبلغ 3000 جنية حسبما تنص المادة 22 من اتفاقية فارسوفيا وتخفيض التعويض بالقدر الذى يتناسب والضرر الحاصل للمدعيين .
ومن حيث إن هذه المحكمة قررت ضم الاستئنافين معا ليصدر فيهما حكم واحد .
وحيث إن دفاع المضرورين في الاستئنافين المضمومين يجمل فيما يقولان به (1) من أن شركة الطيران الهولاندية وإن كانت تسلم بمسئوليتها إلا أنها تطلب قصر التعويض على الحدود الواردة بالمادة 22 من اتفاقية فارسوفيا إذ هى قد عرضت التعويض الذى نصت عليه تلك المادة ومقتضى ذلك أنها تسلم بأنها قارفت خطأ وتقصيرا أديا إلى وقوع الضرر غير أنها تتحدى بعدم مسئوليتها عن تعويض هذا الضرر تعويضا كاملا بل تعويضا محددا وفقا للمادة المذكورة وهذا النص المحدد للمسئولية إنما يتضمن شرطا باطلا لأن العقد الذى ينعقد بين الراكب وشركة الطيران هو عقد تم بطريق الإذعان يتضمن شروطا تعسفية جائرة يجوز للقاضى وفقا للمادة 149 من القانون المدنى تعديلة بإعفاء الظرف المذعن منها ( 2) أن الخطأ جسيم ثابت في حق الشركة مما يجعلها مسئولة مسئولية كاملة عن تعويض الضرر المترتب على هذا الخطأ وفقا للمادة 22 من اتفاقية قارسوفيا ويستند الدفاع عن المضرورين في ذلك إلى ما جاء بالترجمة التى يراها صحيحة للتقرير المقدم من الشركة أمام المحكمة الاستئنافية . ( 3) أن العلاقة بين أمين النقل والراكب بوصف أنها علاقة عقدية تخضع إلى قانون البلد الذى أبرم فيه العقد وذلك تطبيقا للمادة 19 من القانون المدنى ، ولما كان العقد بين الطرفين قد أبرم في مصر فإن الاختصاص التشريعى يكون للقانون المصرى لا سيما وأن اتفاقية فارسوفيا لم تعرض لتحديد الأشخاص الذين يكون لهم حق المطالبة بالتعويض أو لتحديد عناصر التعويض بل تركت ذلك إلى القانون الوطنى وهو في خصوص هذه الدعوى القانون المصرى . (4) أن مبلغ التعويض الذى قضت به محكمة أول درجة لا يتناسب والضرر الحادث لوالدى المتوفى إذ كانا يعتمدان عليه في حياتهما ماديا ومعنويا .
ومن حيث إن شركة الطيران الهولاندية تؤسس دفاعها في هذين الاستئنافين المضمومين على ما يأتى :
1- إن المحكمة الابتدائية قد أقامت حكمها على ما اشتمل عليه التقرير الذى بعثت به الشركة إلى شقيق المرحوم محمد على رياض وقالت المحكمة إن هذا التقرير قد احتوى على خلاصة التحقيق الذى قامت به الهيئة الهولاندية لتحقيق حوادث الطيران وقالت أيضا إن هذا التقرير قد سجل وجود عيوب في أجهزة الطائرة وآلاتها والمحكمة فيما استخلصتة من هذا التقرير قد جانبها التوفيق إذ ليس صحيحا أن هذا التقرير المقدم لمحكمة أول درجة قد احتوى على خلاصة التحقيق الذى قام به مجلس الحوادث الهولندى وإنما الصحيح أنه بيان بالاستيفاءات التى رأت سلطات التحقيق ضرورة اجرائها في سبيل الكشف عن الأسباب التى أدت إلى وقوع الحادث وأن الترجمة التى قدمها الدفاع عن المدعين لهذا التقرير كانت ترجمة مشوهة فلم يسجل هذا التقرير أنه كان بالطائرة عيوب قبل تحليقها في الجو ولم تكن العيوب التى شبه للمحكمة أن التقرير قد سجلها إلا مجرد أسئلة عن وقائع طلب التقرير إلى الم(عمل) الوطنى للطيران والى المحقق الابتدائى استجلاءها - وما كان بسائغ وسلطات التحقيق لم تنته بعد من اجراءاتها أن تسبقها المحكمة إلى افتراض الأسباب التى عزت إليها وقوع الحادث .
2- إن التحقيقات التى قام بها مجلس الحوادث الهولندى والقرارات الصادرة فيها والمقدمة من شركة الطيران الهولندية أمام المحكمة الاستئنافية قاطعة فى أن المجلس لا يستطيع أن يحدد السبب المؤدى إلى الحادث على وجه التأكيد وقد جاء بذلك التقرير أن المجلس يعطى درجة احتمال كبيرة إلى صحة الافتراض بأن السبب المؤدى للحادث يمكن أن يكون نتيجة حدوث تجاوز سرعة احدى المرواح الخارجية بسبب تلوث الزيت - وكل هذه احتمالات لم يقطع التحقيق في صحة حصول شئ منها بل كلها احتمالات وافتراضات .
(3) لا خلاف بين شركة الطيران وبين المدعيين على أن مصر قد انضمت لاتفاقية وارسو بمقتضى القانون رقم 593 لسنة 1955 وأن أحكام هذه الاتفاقية قد أصبحت لها منذ صدور ذلك القانون القوة التشريعية أمام القضاء وأنه وفقا للمادة 20 من تلك الاتفاقية لا يكون الناقل مسئولا إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير لتفادى الضرر أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها والخطأ في ظل اتفاقية وارسو مفروض على الناقل فرضا قابلا لاثبات العكس بمعنى أنه يجوز للشركة أن ترفع عن عاتقها عبء المسئولية كاملة إذا أثبتت أنها اتخذت من جانبها كافة الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر إذ كان من المستحيل عليها اتخاذها وقد قام مجلس الحوادث ومن استعان بهم من الخبراء باستقصاء علل الحادث وأسبابه واستقراء مقدماته باحثا مدققا في الاجراءات التى اتخذتها الشركة لضمان سلامة الطائرة وركابها سواء فيما يتعلق بالطائرة ذاتها أم فيما يتعلق بصلاحية هيئة قيادتها وإحكامها للقيادة وخرج في تقريره من كل ذلك بأن تلك الإجراءات بلغت من السلامة والاستقامة حدا ينفى كل خطأ أو تقصير بل وينفى مجرد الاشتباه في توافر أدنى خطأ أو تقصير .
4- ولئن كانت كل الشواهد تدل على أن الحادث لا يمكن أن يعزى بحال إلى إهمال من الشركة أو خطأ من جانبها في صيانة الطائرة أو في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تعريض الطائرة للحوادث فإنه يصبح من باب تحصيل الحاصل أن يناقش المدعيان فيما زعماء من أسباب ذهبت معها محكمة أول درجة إلى نسبة الخطأ الجسيم إلى الشركة ، وإذ انتهت محكمة أول درجة إلى ذلك تكون قد وقعت في خطأ مزدوج من ناحية الواقع ومن ناحية القانون - أما من ناحية الواقع فإن الوقائع الثابتة بتقرير مجلس التحقيقات قاطعة في نفى أى خطأ في جانب الشركة ، وأما من ناحية القانون فإن الخطا الجسيم المشبة بالغش والمنصوص عليه بالمادة 25 من الاتفاقية يجب أن يقام عليه الدليل المقنع فيثبت أن الشركة أو عمالها كانوا على بينة من الأسباب التى أدت إلى وقوع الحادث وأنهم لم يكترثوا بها أو بالنتائج المؤكدة التى تترتب عليها ، الأمر الذى لم يحصل في الدعوى بل قام الدليل على عكسه .
5- إن مسئولية أمين النقل في ظل اتفاقية وارسو هى مسئولية تقصيرية وإن كانت المادة 17 من الاتفاقية قد جعلت مسئولية الناقل مسئولية مفترضة ومن ثم فإن القانون الواجب التطبيق سواء فيما يتعلق بتحديد الأشخاص الذين لهم حق المطالبة بالتعويض أو فيما يتعلق بتحديد الضرر هو قانون البلد الذى وقع فيه الفعل المنشئ للالزام وفقا للمادة 21 من القانون المدنى إذ أن الاتفاقية في المادة 24 منها تركت ذلك للقانون الوطنى - ولما كان الحادث قد وقع في طائرة هولندية بعيدا عن المياه الإقليمية لأى دولة فإن القانون الهولندى هو الواجب التطبيق وهو يقصر التعويص على الأقارب الذين كان يعولهم المتوفى ولا يجيز التعويض عن الضرر الأدبى - وأنه على فرض أن مسئولية الناقل هى مسئولية عقدية فإن المادة 18/ 2 من الشروط العامة للنقل التى على أساسها تم التعاقد مع المتوفى صريحة في الاتفاق على تطبيق القانون الهولندى الخاص بالملاحة الجوية الصادر في سنة 1936 في جميع الحالات التى تنظمها نصوص اتفاقية وارسو وهو اتفاق مشروع وفقا للمادة 19 من القانون المدنى ومن ثم يتعين تطبيق القانون الهولندى في جميع الأحوال سواء كانت المسئولية تقصيرية أو عقدية .
وانتهت شركة الطيران الهولندى في مذكرتها الأخيرة إلى طلب الحكم أصليا بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المسأنفين واحتياطيا بتعديل التعويض المقضى به في حدود مبلغ 2850 ج للمضرورين معا وهو الحد الأقصى المنصوص عليه في المادة 22 من اتفاقية وارسو .
الاستئناف رقم 778 لسنة 1978 قضائية
جلسة 25/6/1963
حيث إن وقائع الدعوى الابتدائية تجمل في أن الدكتور احمد رشاد والسيدة وجيدة محمد بيومى أقاماها بعريضة معلنة في الثالث والعشرين من نوفمبر سنة 1959 طلبا في ختامها إلزام السيد / مدير عام شركة الخطوط الجوية الهولاندية الملكية بصفته بأن يدفع لهما مبلغ عشرين ألف جنيه مع المصروفات ومقابل اتعاب المحاماه وقالا شرحا لدعواهما إنه في يوم 13 اغسطس سنة 1958 استقل ولدهما المرحوم مهندس حسن احمد رشاد أحد أبطال الجمهورية العربية المتحدة في المبارزة طائرة من طائرات الشركة المدعى عليها لتنقله إلى نيويورك وفى صحبته سائر أعضاء الفريق الذى كان سيشترك معه باسم الجمهورية في المباراة الدولية للمبارزة بالسلاح في الولايات المتحدة الأمريكية وإذ وصل الفريق إلى امستردام ولم تجد له الشركة محلا في الطائرة النظامية المعدة للسفر إلى نيويورك مما اضطرها الى تسيير طائرة إضافية حملت الفريق من مطار امستردام متجهة إلى ايرلندة في طريقها إلى نيويورك فوصلت صباح يوم 14 اغسطس سنة 1958 مطار شانون بايرلندا حيث صعد اليها ستة ركاب جدد فأصبح مجموع ركابها واحدا وتسعين راكبا بالاضافة إلى عمال الطائرة وعددهم ثمانية وما أن تزودت الطائرة بكل ما يلزمها من الوقود أرسل إليها المستر جيمس جوجن هام مراقب مطار شانون إشارة بطريق الراديو يأذن لها بالرحيل فانطلقت الطائرة إلى الفضاء وكان ذلك في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة صباحا - وفى الساعة الرابعة والدقيقة الأربعين كانت الطائرة قد اختفت عن الانظار وردت منها إشارة بطريق الراديو إلى مطار شانون تتضمن أنها على بعد 120 ميلا بحريا عن شانون وعلى ارتفاع اثنى عشر ألف قدم من سطح البحر وأنها بسبيل العلو إلى ارتفاع ستة عشر ألف قدم وقد كلف المستر جوجن هام الطائرة بأن تنقل رسالة منه إلى طائرة أخرى لم يكن من الميسور أن يتصل بها راديو برج المراقبة بمطار شانون وقامت الطائرة بتبليغ هذه الرسالة وشكرها مراقب مطار شانون على ذلك وكانت الساعة الرابعة والدقيقة الثانية والأربعين حين انتهى هذا الاتصال - ولما كان النظام يقضى بأن ترسل الطائرة إلى المطار إشارة أخرى بطريق الراديو في الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحا إلا أنها لم ترسل شيئا وقد اتضح بعد ذلك من البحث عن الطائرة أنها سقطت في أعماق المحيط وغرق جميع ركابها وملاحيها وانتشلت جثث أربع وثلاثين من الركاب دون أن يعثر على جثث الباقين واستطرد المدعى قائلا في عريضة دعواه إن الاخصائيين قد ذهبوا في تفسير الحادث مذهبين نشرتهما مجلة فرنسية بعد أن روت تفاصيل الحادث على النحو المذكور آنفا بعدد 1958/8/30 فقالت إن هناك من قرر أن سبب الحادث تجمد ماعساه قد اختلط بوقود الطائرة من بخار ماء تبعا لانخفاض درجة الحرارة في الجو الذى كانت تعبره الطائرة ووقوف الماء المتجمد حائلا دون امداد آلات الطائرة بالوقود الأمر الذى أخل بسير الآلات فتوقفت فجأة وهوت الطائرة إلى المحيط - وهناك رأى بنى على حقيقة واقعة هى أن الجهاز الضابط لسير محركات الطائرة لم يكن محكما لجميع الطائرات المنتمية إلى نوع الطائرة التى سقطت وأنه سبق أن كان محل اختبار وإصلاح ومدى هذا الرأى أنه من المحتمل أن يكون ذلك الجهاز قد انقطع عن (عمل)ه فترتب على ذلك توقف في محركات الطائرة أدى إلى سقوطها وأضاف المدعى أنه قد ثبت من وقائع الحادث أن الطائرة المنكوبة لم تذع استغاثة واحدة مما يقطع بأن راديو الطائرة كان معطلا وهو الأمر الذى شهد به المستر جوجن هام مراقب مطار شانون الذى نشرته جريدة الديلى ميل في عددها يوم الثلاثاء 1958/8/19 تحت عنوان ( التحقيق يرجع حادث الطيران إلى خلل الراديو ) وانتهى المدعى في شرح الدعوى إلى أن الشركة المدعى عليها قد اخطأت خطأ جسيما بتسييرها طائرة في ظروف جوية سيئة أعلنتها جريدة التبو الايطالية الصادرة فى 1958/8/15 إذ كتبت أن قائد الطائرة المنكوبة صرح للمكتب الفنى بمطار شانون على إثر مرساه في هذا المطار بأن الظروف الجوية التى أحاطت بالطائرة فيما قطعته من الرحلة كانت سيئة وأنه من المنتظر أن يعترضها في المسافة الباقية من رحلتها الطويلة إلى نيويورك ظروف جوية معاكسة - وهكذا توافر لدى القائمين على أمر الطائرة من تابعى الشركة المدعى عليها علم تام بما لابس رحلتها وبما سيحيط بهذه الرحلة من عوامل جوية معاكسة وأصروا مع ذلك على استخدامهم الطائرة وما فيها من عيب في الجهاز الضابط للمحركات ومع ما فيها كذلك من خلل في جهاز الراديو . ولما كانت اتفاقية فارسوفيا المعقودة في 12 اكتوبر سنة 1929 هى التى تحكم عقد النقل الجوى الحاصل بين المدعيين والشركة المدعى عليها وكانت المادة 25 منها تجعل التعويض المستحق غير مقيد بأى قيد عند ثبوت خطأ جسيم في حق الشركة ولما كان المدعيان هما والدا الفقيد الدكتور حسن احمد رشاد الذى توفى في الحادث ويحق لهما المطالبة بتعويض عن وفاة ابنهما في الحادث كما أن المدعيين قد لحق بهما شخصيا ضرر جسيم من وفاة إبنهما إذ حرما من المساعدة المادية والمؤازرة المعنوية التى كان إبنهما يمدهما بها لو عاش كما أصابهما شعور بالوحشة والألم إذ انقطع الوصل بينهما وبين من كان في الحياة امتدادا لشخصهما فضلا عما كان لإبنهما من شأن خاص تتضاعف بقدرة الخسارة مما يرى معه أن أقل مبلغ يعوض لهما ما أصابهما من ضرر وما فاتهما من كسب هو عشرون ألف جنيه طلبا إلزام الشركة المدعى عليها بهذا المبلغ مع كافة المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة .
ومن حيث إن الحاضر عن الشركة المدعى عليها رد على ما قاله المدعيان بأن استنادهما إلى بعض المقالات الصحفية لا يصلح أساسا للدعوى إذ هذه المقالات إن لم تكن قد خلت من تحرى الدقة فهى تنطبع بطابع الإثارة وتستهدف السبق الصحفى في أغلب الأحيان وأن التحقيقات الابتدائية التى تمت عن الحادث لم تنته الى نتيجة حاسمة في الدعوى وأضاف في دفاعة أنه يسلم بتطبيق معاهدة فارسوفيا في حدود ما تقضى به المادة 22 من الاتفاقية أى حدود إلزامها بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه عن كل راكب وهو ما عرضت دفعة أمام محكمة أول درجة .
ومن حيث إن تلك المحكمة قضت بتاريخ 27 من مارس سنة 1961 حضوريا بالزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للمدعيين مبلغ 8000 جنيه والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأسست قضاءها في ذلك على توافر أحكام المادة 25 من اتفاقية فارسوفيا التى تقضى بعدم إلتزام الحدود المقيدة لمسئولية الناقل طبقا للمادة 22 من الاتفاقية إذا ثبت في حق الناقل أو تابعة خطأ جسيم شبيه بالغش أو كما عبر عنه بروتوكول لاهاى برعونة مقترنه بادراك أن ضررا ماقد يترتب عليها وقالت محكمة أول درجة إن الخطأ الجسيم ثابت في حق الشركة المدعى عليها مما جاء بالخطاب المؤرخ 20 من ابريل سنة 1960 الصادر من الشركة المدعى عليها بأمريكا إلى السيد محمود رياض والذى احتوى تقريرا بخلاصة التحقيق الذى قامت به الهيئة الهولاندية لتحقيق حوادث الطيران إذ أن هذا التقرير يسجل وجود عيوب كانت بالطائرة مصدر الحادث قبل أن تحلق في الرحلة التى وقع الحادث اثناءها وهذه العيوب هى (1) وجود عسر في جهاز القيادة الاتوماتيكية عبر عنها التقرير بأنها صعوبات ( 2) عطل في جهاز الراديو المخصص في الطائرة لتلقى الاشارات وإرسالها (3) خلل في عمود المراوح وفى الجهاز الضابط لسير المراوح وهو خطأ شبيه بالغش تصبح به مسئولية الناقل الجوى مطلقة طبقا للمادة 25 من اتفاقية فارسوفيا التى انضمت إليها الجمهورية العربية بمقتضى القانون رقم 593 سنة 1955 .
ومن حيث إن الطرفين لم يرتضيا هذا القضاء فأقام الدكتور احمد رشاد وزوجتة السيدة / وجيدة محمد بيومى الاستئناف رقم 778 سنة 78 ق وطلبا في ختام صحيفته قبوله شكلا وفى الموضوع تعديل الحكم المستأنف وإلزام شركة الطيران الهولندية بأن تدفع لهما تعويضا قدرة عشرون ألف جنيه فضلا عن المصروفات ومقابل اتعاب المحامى واسسا استئنافهما على أن مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا لا يتناسب البته مع ما أصابهما من ضرر بليغ بموت ابنهما الذى كان في عنفوان شبابه ومن أبطال السلاح في الجمهورية العربية المتحدة - كما أقامت شركة الطيران الهولاندية استئنافها رقم 1165 سنة 78 ق وطلبت في ختام صحيفته قبوله شكلا وفى الموضوع أصليا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى واحتياطيا بتحديد التعويض الذى يمنح للورثة جميعا بمبلغ 3000 جنية حسبما تنص المادة 22 من اتفاقية فارسوفيا وتخفيض التعويض بالقدر الذى يتناسب والضرر الحاصل للمدعيين .
ومن حيث إن هذه المحكمة قررت ضم الاستئنافين معا ليصدر فيهما حكم واحد .
وحيث إن دفاع المضرورين في الاستئنافين المضمومين يجمل فيما يقولان به (1) من أن شركة الطيران الهولاندية وإن كانت تسلم بمسئوليتها إلا أنها تطلب قصر التعويض على الحدود الواردة بالمادة 22 من اتفاقية فارسوفيا إذ هى قد عرضت التعويض الذى نصت عليه تلك المادة ومقتضى ذلك أنها تسلم بأنها قارفت خطأ وتقصيرا أديا إلى وقوع الضرر غير أنها تتحدى بعدم مسئوليتها عن تعويض هذا الضرر تعويضا كاملا بل تعويضا محددا وفقا للمادة المذكورة وهذا النص المحدد للمسئولية إنما يتضمن شرطا باطلا لأن العقد الذى ينعقد بين الراكب وشركة الطيران هو عقد تم بطريق الإذعان يتضمن شروطا تعسفية جائرة يجوز للقاضى وفقا للمادة 149 من القانون المدنى تعديلة بإعفاء الظرف المذعن منها ( 2) أن الخطأ جسيم ثابت في حق الشركة مما يجعلها مسئولة مسئولية كاملة عن تعويض الضرر المترتب على هذا الخطأ وفقا للمادة 22 من اتفاقية قارسوفيا ويستند الدفاع عن المضرورين في ذلك إلى ما جاء بالترجمة التى يراها صحيحة للتقرير المقدم من الشركة أمام المحكمة الاستئنافية . ( 3) أن العلاقة بين أمين النقل والراكب بوصف أنها علاقة عقدية تخضع إلى قانون البلد الذى أبرم فيه العقد وذلك تطبيقا للمادة 19 من القانون المدنى ، ولما كان العقد بين الطرفين قد أبرم في مصر فإن الاختصاص التشريعى يكون للقانون المصرى لا سيما وأن اتفاقية فارسوفيا لم تعرض لتحديد الأشخاص الذين يكون لهم حق المطالبة بالتعويض أو لتحديد عناصر التعويض بل تركت ذلك إلى القانون الوطنى وهو في خصوص هذه الدعوى القانون المصرى . (4) أن مبلغ التعويض الذى قضت به محكمة أول درجة لا يتناسب والضرر الحادث لوالدى المتوفى إذ كانا يعتمدان عليه في حياتهما ماديا ومعنويا .
ومن حيث إن شركة الطيران الهولاندية تؤسس دفاعها في هذين الاستئنافين المضمومين على ما يأتى :
1- إن المحكمة الابتدائية قد أقامت حكمها على ما اشتمل عليه التقرير الذى بعثت به الشركة إلى شقيق المرحوم محمد على رياض وقالت المحكمة إن هذا التقرير قد احتوى على خلاصة التحقيق الذى قامت به الهيئة الهولاندية لتحقيق حوادث الطيران وقالت أيضا إن هذا التقرير قد سجل وجود عيوب في أجهزة الطائرة وآلاتها والمحكمة فيما استخلصتة من هذا التقرير قد جانبها التوفيق إذ ليس صحيحا أن هذا التقرير المقدم لمحكمة أول درجة قد احتوى على خلاصة التحقيق الذى قام به مجلس الحوادث الهولندى وإنما الصحيح أنه بيان بالاستيفاءات التى رأت سلطات التحقيق ضرورة اجرائها في سبيل الكشف عن الأسباب التى أدت إلى وقوع الحادث وأن الترجمة التى قدمها الدفاع عن المدعين لهذا التقرير كانت ترجمة مشوهة فلم يسجل هذا التقرير أنه كان بالطائرة عيوب قبل تحليقها في الجو ولم تكن العيوب التى شبه للمحكمة أن التقرير قد سجلها إلا مجرد أسئلة عن وقائع طلب التقرير إلى الم(عمل) الوطنى للطيران والى المحقق الابتدائى استجلاءها - وما كان بسائغ وسلطات التحقيق لم تنته بعد من اجراءاتها أن تسبقها المحكمة إلى افتراض الأسباب التى عزت إليها وقوع الحادث .
2- إن التحقيقات التى قام بها مجلس الحوادث الهولندى والقرارات الصادرة فيها والمقدمة من شركة الطيران الهولندية أمام المحكمة الاستئنافية قاطعة فى أن المجلس لا يستطيع أن يحدد السبب المؤدى إلى الحادث على وجه التأكيد وقد جاء بذلك التقرير أن المجلس يعطى درجة احتمال كبيرة إلى صحة الافتراض بأن السبب المؤدى للحادث يمكن أن يكون نتيجة حدوث تجاوز سرعة احدى المرواح الخارجية بسبب تلوث الزيت - وكل هذه احتمالات لم يقطع التحقيق في صحة حصول شئ منها بل كلها احتمالات وافتراضات .
(3) لا خلاف بين شركة الطيران وبين المدعيين على أن مصر قد انضمت لاتفاقية وارسو بمقتضى القانون رقم 593 لسنة 1955 وأن أحكام هذه الاتفاقية قد أصبحت لها منذ صدور ذلك القانون القوة التشريعية أمام القضاء وأنه وفقا للمادة 20 من تلك الاتفاقية لا يكون الناقل مسئولا إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير لتفادى الضرر أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها والخطأ في ظل اتفاقية وارسو مفروض على الناقل فرضا قابلا لاثبات العكس بمعنى أنه يجوز للشركة أن ترفع عن عاتقها عبء المسئولية كاملة إذا أثبتت أنها اتخذت من جانبها كافة الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الضرر إذ كان من المستحيل عليها اتخاذها وقد قام مجلس الحوادث ومن استعان بهم من الخبراء باستقصاء علل الحادث وأسبابه واستقراء مقدماته باحثا مدققا في الاجراءات التى اتخذتها الشركة لضمان سلامة الطائرة وركابها سواء فيما يتعلق بالطائرة ذاتها أم فيما يتعلق بصلاحية هيئة قيادتها وإحكامها للقيادة وخرج في تقريره من كل ذلك بأن تلك الإجراءات بلغت من السلامة والاستقامة حدا ينفى كل خطأ أو تقصير بل وينفى مجرد الاشتباه في توافر أدنى خطأ أو تقصير .
4- ولئن كانت كل الشواهد تدل على أن الحادث لا يمكن أن يعزى بحال إلى إهمال من الشركة أو خطأ من جانبها في صيانة الطائرة أو في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تعريض الطائرة للحوادث فإنه يصبح من باب تحصيل الحاصل أن يناقش المدعيان فيما زعماء من أسباب ذهبت معها محكمة أول درجة إلى نسبة الخطأ الجسيم إلى الشركة ، وإذ انتهت محكمة أول درجة إلى ذلك تكون قد وقعت في خطأ مزدوج من ناحية الواقع ومن ناحية القانون - أما من ناحية الواقع فإن الوقائع الثابتة بتقرير مجلس التحقيقات قاطعة في نفى أى خطأ في جانب الشركة ، وأما من ناحية القانون فإن الخطا الجسيم المشبة بالغش والمنصوص عليه بالمادة 25 من الاتفاقية يجب أن يقام عليه الدليل المقنع فيثبت أن الشركة أو عمالها كانوا على بينة من الأسباب التى أدت إلى وقوع الحادث وأنهم لم يكترثوا بها أو بالنتائج المؤكدة التى تترتب عليها ، الأمر الذى لم يحصل في الدعوى بل قام الدليل على عكسه .
5- إن مسئولية أمين النقل في ظل اتفاقية وارسو هى مسئولية تقصيرية وإن كانت المادة 17 من الاتفاقية قد جعلت مسئولية الناقل مسئولية مفترضة ومن ثم فإن القانون الواجب التطبيق سواء فيما يتعلق بتحديد الأشخاص الذين لهم حق المطالبة بالتعويض أو فيما يتعلق بتحديد الضرر هو قانون البلد الذى وقع فيه الفعل المنشئ للالزام وفقا للمادة 21 من القانون المدنى إذ أن الاتفاقية في المادة 24 منها تركت ذلك للقانون الوطنى - ولما كان الحادث قد وقع في طائرة هولندية بعيدا عن المياه الإقليمية لأى دولة فإن القانون الهولندى هو الواجب التطبيق وهو يقصر التعويص على الأقارب الذين كان يعولهم المتوفى ولا يجيز التعويض عن الضرر الأدبى - وأنه على فرض أن مسئولية الناقل هى مسئولية عقدية فإن المادة 18/ 2 من الشروط العامة للنقل التى على أساسها تم التعاقد مع المتوفى صريحة في الاتفاق على تطبيق القانون الهولندى الخاص بالملاحة الجوية الصادر في سنة 1936 في جميع الحالات التى تنظمها نصوص اتفاقية وارسو وهو اتفاق مشروع وفقا للمادة 19 من القانون المدنى ومن ثم يتعين تطبيق القانون الهولندى في جميع الأحوال سواء كانت المسئولية تقصيرية أو عقدية .
وانتهت شركة الطيران الهولندى في مذكرتها الأخيرة إلى طلب الحكم أصليا بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المسأنفين واحتياطيا بتعديل التعويض المقضى به في حدود مبلغ 2850 ج للمضرورين معا وهو الحد الأقصى المنصوص عليه في المادة 22 من اتفاقية وارسو .
عدل سابقا من قبل في الثلاثاء نوفمبر 27, 2007 10:57 am عدل 1 مرات