السلاح النووي ميداني بدءا من 2006
أقرّت الإدارة الأميركية إستراتيجية "الحرب الوقائية" (Preemptive War) في إستراتيجيتها للأمن القومي بعد هجمات نيويورك وواشنطن, ونفذتها في أفغانستان والعراق.
ولكن يبدو أنّ مغامراتها في أفغانستان والعراق كانت مخيّبة للآمال وقد كشفت هشاشة وضعف الهياكل العسكرية الأميركية وعدم فاعلية التكنولوجيا وعدم نجاعة مبدأ جيش صغير بعتاد حديث ومتطور, بحيث أصبحت التهديدات الأميركية للدول الأخرى غير فعالة, ما حفز الإدارة الأميركية للتفكير في سياسية جديدة.
فأصدرت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في 15 مارس/ آذار 2005 نسخة أولية من 69 صفحة تتعلق بمبادئ عملياتها النووية وقد أدخلت عليها بعض التعديلات الجوهرية التي كانت تسعى إليها.
وقد نشرت هذه الوثيقة الأولية مع تعديلاتها في اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة لهجمات نيويورك وواشنطن, أي في 11/9/2005 تحت عنوان "مبادئ العمليات النووية المشتركة" (Doctrine for Joint Nuclear Operations).
وأهم التعديلات التي تمّ إدخالها على الوثيقة الأساسية التي تناقش استخدام الأسلحة النووية من خلال العمليات العسكرية وتعبر عن العقيدة النووية الأميركية الجديدة هي:
أولا: التخفيف من القيود المفروضة على استخدام السلاح النووي، حيث كانت المبادئ الخاصة باستخدام الأسلحة النووية الأميركية التي تم تعديلها منذ 10 سنوات تقول بوضوح إن "قرار استخدام أسلحة نووية على أي مستوى يتطلب أوامر صريحة من الرئيس (الأميركي)".
لكن، وطبقا للتعديل، فإن القادة العسكريين يمكن أن يطلبوا موافقة من الرئيس لاستخدام تلك الأسلحة تحت أي سيناريو كاستباق استخدام العدو لأسلحة الدمار الشامل على الولايات المتحدة أو قوات التحالف أو على السكان المدنيين.
ثانيا: حسب التعديلات التي أدخلت على الوثيقة فإنه في بيئة دائمة التغير "من الممكن للإرهابيين أو الدول الإقليمية المسلحة بأسلحة دمار شامل، أن تعرض التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها وأصدقائها للاختبار.. واستجابة لذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية تحتاج لمساحة من القدرات، تمكنها من التأكيد لأصدقائها وأعدائها على السواء على مدى تصميمها".
وقد جاءت في الوثيقة الحالات التي يمكن من خلالها استخدام الأسلحة النووية التي تتحول في تلك الحالة من ردعية إلى ميدانية وهي تعبر عن المبادئ النووية الأميركية الجديدة ومنها:
أولا: إذا نوى الخصم أن يستعمل أسلحة الدمار الشامل ضد الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات أو قوات التحالف الأميركية أو السكان المدنيين.
ثانيا: ضد منشآت تجهيزات الخصم، ومن ضمن ذلك أسلحة الدمار الشامل، والمخابئ العميقة والصلبة التي تحتوي مواد كيماوية أو أسلحة بيولوجية، أو البنية التحتية للقيادة والسيطرة التي يحتاجها الخصم لاستعمال أسلحة الدمار الشامل في هجوم ضد الولايات المتحدة أو أصدقائها وحلفائها.
ثالثا: في حالات هجوم وشيك من أسلحة خصم بيولوجية، لا يمكن تحطيمها بسلامة إلا بالأسلحة النووية.
رابعا: لمواجهة قوات تقليدية كبيرة العدد بهدف إنهاء الحرب بسرعة لصالح الولايات المتحدة، ولإثبات استعدادها وقدرتها على استخدام أسلحة نووية لمنع العدو من استخدام أسلحة دمار شامل، وللرد على استخدام أسلحة دمار شامل قدمها العدو "لأحد حلفائه".
خامسا: في الحالات التي لو أظهرت فيها أميركا نيتها لاستعمال الأسلحة النووية، لأحبطت قدرة الخصم على استعمال أسلحة الدمار الشامل.
وأضافت الوثيقة أن واشنطن بحاجة إلى الكفاءة اللازمة لطمأنة أصدقائها وخصومها على تصميمها وقرارها بشأن تلك الأسلحة.
كما أشارت إلى أن هناك منظمات غير رسمية إرهابية وإجرامية وحوالي 30 بلدا تمتلك برامج لأسلحة دمار شامل يجب متابعتها.
ونصت الوثيقة على أن سياسة الردع لاستخدام أسلحة الدمار الشامل تتطلب إمكانية قيادة الخصم للاعتقاد بأن واشنطن لها المقدرة على الاستباق والانتقام بشكل فوري بثقة وفعالية.
كما تطلب من قيادات القوات الأميركية المنتشرة في العالم الإعداد لبرامج محددة لاستخدام أسلحة نووية في مناطقها ووضع خطط تبرر طلب موافقة رئاسية على تنفيذ ضربة نووية.
وكخلاصة للموضوع, نستطيع أن نرى أن الولايات المتّحدة أصبحت تعاني من ضعف هيكلي في إستراتيجياتها الردعية, كما أنها لم تعد قادرة على إملاء شروطها على الآخرين من باب التهديدات فقط وهذا ما يدفعنا للاعتقاد أن الولايات المتّحدة لن تترد أبدا في استخدام الأسلحة النووية إذا رأت أن ذلك سيعيد إليها ما فقدته من هيبة وردع
بقلم
علي حسين باكير
نقلا عن الجزيرة نت